Site icon IMLebanon

“حزب الله” يريد انتخاب الرئيس برفع الأيدي وليس بالاقتراع السري كما نص الدستور

بات واضحاً لكثير من المراقبين أن إيران لا تريد اجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحاضر أياً كان المرشّح لأنها تنتظر تبلور صورة الوضع في سوريا لتقول كلمتها. فإذا كانت الصورة ترضيها كان للبنان رئيس له وجه وإلا كان له وجه آخر. ولا تريد إيران اجراء الانتخابات لأنها ليست واثقة من أن الاكثرية النيابية ستنتخب من تريد كما كانت سوريا واثقة من وقوف الأكثرية مع المرشح الذي تريد. لذلك تفضل إيران تعطيل جلسات الانتخاب الى أن تتأكد من إيصال من تريد الى قصر بعبدا، أو الاتفاق مع من يجب الاتفاق معهم على رئيس تسوية أو توافق وإن تحوّلت الانتخابات الرئاسية الى مسرحية مضحكة.

والسؤال المطروح في أوساط سياسية ورسمية وشعبية هو: هل يظل الرئيس سعد الحريري مؤيداً لترشيح النائب سليمان فرنجيه والدكتور سمير جعجع مؤيداً للعماد ميشال عون بعدما غابا عن جلسة الانتخاب الأخيرة لتأكيد تضامنهما مع “حزب الله” في مقاطعة الجلسات برغم أن عليهما الحضور كونهما مرشحين وإلا كان ترشيحهما كمن يراهن على حصان لا يدخل ميدان السباق، أو كمن يدعى الى عرس ولا تحضر العروس أو العريس؟

لقد برر الرئيس الحريري والدكتور جعجع ترشيح فرنجيه وعون بالقول إنهما تعاملا مع الأمر الواقع من دون الدخول في تفسير ذلك، وقد يكون الأمر الواقع هو أن لا انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يكن المرشح من 8 آذار تأميناً للنصاب. أما وقد فشل الرهان على ذلك فهل يعيدان النظر في ترشيحهما، أم ان التعامل مع الواقع له تفسير آخر وهو ان لا رئيس إلا اذا كان من 8 آذار شرط ان يلتزم الخط السياسي لـ14 آذار وإلا تعود الخلافات والمناكفات بين رئيس جمهورية من 8 آذار ورئيس حكومة من 14 آذار لأن لكل منهما سياسة تخالف سياسة الآخر، ما يجعل عمل كل حكومة معرضاً للشلل، لا بل قد يتعرقل تشكيل الحكومة، ثم لا يتفق اعضاؤها على بيان وزاري يحدد سياسة واحدة لها.

لقد دعا النائب “القواتي” جورج عدوان الى السعي لكي ينسحب فرنجيه للعماد عون وان توافق 14 آذار عليه كي تصبح الأكثرية النيابية مضمونة لفوزه. لكن دعوة عدوان تطرح في أوساط قوى 14 آذار سؤالاً مهماً هو: ما هي السياسة التي سيلتزمها عون اذا فاز بالرئاسة وقد سجَّل اول مخالفة لبنود “اعلان النيات” بعدم حضوره جلسة الانتخاب وبحديثه التلفزيوني المناقض لهذه البنود؟

لذلك فإن العماد عون لن يكون مقبولاً من 14 آذار إلا اذا أعلن في بيان رسمي ما هي السياسة التي سينتهجها بالنسبة الى سلاح “حزب الله” ومن يتخذ قرار السلم والحرب، وتحييد لبنان عن صراعات المحاور. وقد يكون هذا مطلوباً شرحه لقوى 14 آذار كي تقتنع بترشيح عون، فإذا كان القصد من هذا الترشح هو تأمين النصاب، فإن عون استمر في تعطيل النصاب، واذا كان لالتزامه سياسة 14 آذار أو سياسة تلتقي عليها 8 و14 آذار، وهذا ما يفسره الالتقاء في منتصف الطريق لضمان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد ولا يظل مكتوباً للبنان أن يختار بين استمرار الشغور الرئاسي أو القبول بالمرشح الذي تريده إيران وحلفاؤها، وعندها يكون لبنان الرسمي قد انحاز الى المحور الإيراني الذي هو في صراع حاد مع محور آخر، فيدفع لبنان في كل مرة ثمن هذا الانحياز غالياً من سيادته واستقلاله وحرية قراره، وهو ما يجعل استمرار الشغور الرئاسي أقل ضرراً من اعتماد سياسة الانحياز.

الواقع أن لبنان لم يشهد في تاريخه ما يشهده اليوم، لا في انتخاب رئيس للجمهورية ولا في تشكيل الحكومات. فـ”حزب الله” ومن معه لا يحترم الدستور الذي وضع آلية لانتخاب الرئيس بالاقتراع السري وهو يريد الاقتراع العلني وبرفع الأيدي، ولا احترام الآلية التي نص عليها الدستور عند تشكيل الحكومات وكأنه يريد أن ينتقل لبنان من النظام الديموقراطي الى النظام الشمولي إما بقوة السلاح وإما بانقلاب أبيض.

لقد أمل الناس في أن تكون جلسة 8 شباط وقد انعقدت يوم “اثنين الرماد” عند المسيحيين، يوماً يخرج فيه لبنان من هذا الرماد كما خرج طائر الفينيق، لا أن يظل انتخاب رئيس جمرة تحته فيستجيب النواب دعوة القادة السياسيين والروحيين في لبنان والعالم لحضور جلسة الانتخاب، وهو حضور إن لم ينص عليه الدستور صراحة فقد أملاه عليهم الواجب الوطني كما قال الرئيس نبيه بري، وعندها لا تبقى حاجة الى تعديل الدستور، وهو ما بادر الوزير بطرس حرب الى التقدم باقتراح لهذه الغاية، علماً أنه قد يكون من الصعب تأمين نصاب الثلثين في مجلس النواب لدرس هذا الاقتراح وإقراره، ثم تأمين نصاب الثلثين في مجلس الوزراء وكل وزير في الحكومة جاء من مكان… وبعضهم يسمع صوت الخارج وليس صوت الشعب.