رَكْضُ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على ملعب “العهد”، ليس مباراته الأولى، التي يتوفّق فيها في حمل راية “المقاومة” وحماية ظهر لاعب أساسي على الساحة: “حزب الله”. إبنُ البيئة المسيحية المارونية، المتّكئ على حيثية مؤسس التيار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعلى شعبيّة تياره الكبيرة على الصعيد المسيحي، كان “وعدُه صادقاً” مع الحزب على خشبة المسرح السياسي، داخلياً وخارجياً. قد تكون النّيات حسنة، وقد تكون وسيلةً توصل إلى الغاية وتبرّرها، أو الإثنين معاً فـ”يضرب هدفين بصاروخٍ واحد”. لكن، ما هو المدى الذي تطاوله رسائلُ باسيل، وهل تخدم صواريخُه “حزب الله”، أم أنّ مفعولها ينتهي في الزمان والمكان، حيث أطلقها؟
ليست المرة الأولى التي توجّه إسرائيل رسائل تحذيرية أو تهديدية إلى لبنان، كلاماً أو فعلاً، فالأجواء اللبنانية تُخرَق يومياً. ليست المرة الأولى التي يردّ فيها لبنان، أو باسيل. هذه المرة، الردّ مختلف. استدعاءُ السفراء شهوداً: “كونوا شهوداً على أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكذب. لا صواريخَ قرب المطار”.
البعض رأى أنّ هذه الخطوة الديبلوماسية “سابقةٌ من نوعها، وتثبيتٌ لهيبة الدولة أمام العدوّ والمجتمع الدولي”. البعضُ الآخر، اعتبرها “مسرحيّةً هزليّةً، فالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله يفاخر بامتلاك الحزب الصواريخ كمّاً ونوعاً”. ويسأل: “ما همّ أين يخبّئها الحزب، إن كانت موجودةً وجاهزةً للاستعمال؟”.
مصادر معنيّة، تعتبر أنّ باسيل التقط مناسبة إعلان نتنياهو وجود صواريخ قرب مطار بيروت، بغية الدخول في حفلة المزايدات ورفع السقوفَ في هذا الملف، لأسبابٍ عدة.
فباسيل يُدرك أنّ “حزب الله” مستاءٌ منه شخصياً انطلاقاً من مواقف سابقة له وتحديداً في الموضوع الإسرائيلي عندما اعتبر أن “لا مشكلة ايديولوجية مع إسرائيل وأنّ من حقها الحصول على الأمن”. فهذا التصريح أثار حفيظة الحزب لأنه يعتبر باسيل حليفاً، انطلاقاً من “وثيقة مار مخايل”، وليس فقط وزير خارجية لبنان. وبالتالي يريد باسيل تبييضَ صفحته في الموضوع الإسرائيلي تجاه جمهور “حزب الله”.
لباسيل صفحة سيّئة أخرى مع الحزب، حين انتقده في مقابلة مع مجلة “الماغازين” في شباط 2018، بقوله، إنّ “ثمّة قراراتٍ يتّخذها الحزب في الموضوع الداخلي لا تخدم الدولة وهذا ما يجعل لبنان يدفع الثمن، وإنّ بنداً أساسياً هو بناء الدولة في وثيقة التفاهم لا يطبّق بحجة قضايا السياسة الخارجية”.
كذلك، تعتبر المصادر أنّ باسيل يوجّه رسالةً أيضاً إلى الطائفة الشيعية لطيّ الصفحة السلبية لنظرتها إليه، إن في موضوع تصريحه عن إسرائيل أو في الكلام عن الرئيس نبيه بري ووصفه بـ”البلطجي”، فعلى رغم عودة العلاقات الى مجاريها بين الطرفين، لم ينسَ جمهورُ بري هذه الإساءة.
وترى المصادر أنّ باسيل وجد مناسبةً للدخول مجدداً في وجدان الطائفة الشيعية، بعدما خرج منه نتيجة مواقفه وممارساته.
رسائلُ الجولة على ملعب نادي “العهد” الرياضي، متعددة، آنيّة وبعيدة المدى، تطاول الملف الحكومي ورئاسة الجمهورية أيضاً، حسب ما ترى المصادر. ففي هذه اللحظة السياسية يريد باسيل عملياً من “حزب الله” أن يخرج من موقفه المحايد من تأليف الحكومة إلى دعمه. فهو يدرك أنّ الحزب ومنذ اللحظة الأولى لتكليف الرئيس سعد الحريري اتّخذ قرار الوقوف على مسافة واحدة من الجميع وأن ينأى بنفسه عن التأليف، ويضمن الحصة الشيعية له ولبري فقط، من دون أن يتدخّل مع طرف ضد آخر، خلافاً للمراحل السابقة. فالحزبُ تدخّل دعماً لعون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، وفي معظم الحكومات بعد 2008، كان يرفع شعار “إما أن يوافق عون وباسيل وإما لا حكومة”. هذه المرة لم يرفع الحزب أيَّ شعار من هذا النوع ووقف على الحياد في كل المواجهات التي خاضها باسيل، إن مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” أو “القوات اللبنانية” أو تيار “المستقبل”… ولم يتدخّل لا من قريب ولا من بعيد.
لذلك، يعتقد باسيل أنّ ردَّه على نتنياهو هو موقفٌ تسليفي لـ”حزب الله”، وعلى الحزب “ردّ الواجب” في المقابل بخروجه من الحياد وتأييد شروط باسيل، أي الضغط على الحريري لتحجيم تمثيل “الاشتراكي” و”القوات”.
أما الصاروخ البعيد المدى، الذي يأمل باسيل إصابته الهدف، هو الرئاسة. فباسيل يريد أن يضمن تأييدَ “حزب الله” له. وترى المصادر، أنّ كل المعركة التي يخوضها باسيل هي لخلافة عون، وقرّر أن يضع كل وزناته في سلّة “الحزب” بغية كسب تأييده، لأنه يعتقد أنّ تأييد “الحزب” يسهّل مهمته، وهو يريد أن يبدأ معركته الرئاسية من المربّع الذي كان عون بدأ منه معركته.
“حزب الله” ينظر إلى علاقته بـ”التيار” من زاوية أخرى، ويرى أنها تخطّت هذه الشكليّات، وتقول مصادره لـ”الجمهورية”: “إننا مقتنعون بأنّ ما يقوم به باسيل يأتي عن اقتناع وليس إرضاءً لأحد ولا تبييض صفحة”.
لكن هل اقتناع باسيل، مصدره إشارة من الحزب؟
تنفي مصادر “الحزب” هذا، وتقول: “نشعر أنه مقتنعٌ بهذا الكلام، وفي المحافل الدولية مواقفُه جيدة جداً من دون أن يُطلب منه أو يُهمس له. مواقف عون وباسيل مُشرّفة، ونرتاح اليهما ونشعر معهما أنّ “ظهرنا محميّ”، وبالتالي لا التيار يسجّل فواتيرَ للحزب، ولا الحزب يتلقّى منه رسائل”.
وعن كرسي رئاسة الجمهورية، تقول المصادر نفسها: “بكير كتير على رئاسة الجمهورية و”الله يطوّل بعمر فخامة الرئيس عون”. ولكل حادث حديث. ونحن ضد الدخول في البازار الرئاسي من الآن. فلنفكّر بالحكومة وحاجات الناس وحلّ المشكلات مثل الكهرباء والنفايات وغيرها”.
أمّا عن صمت “حزب الله” على نتنياهو وتولّي باسيل الرد عليه، فتشير مصادر الحزب إلى أنّ “نصرالله هو مَن يردّ على إسرائيل، وكما دائماً في المكان والزمان المناسبين. هذه سياسة الحزب. ونحن لا ننفي ولا نؤكّد. أمّا باسيل فتصرّف ونفى وجودَ الصواريخ من منطلق أنه وزير خارجية لبنان، وهذا الأمر يعني الدولة اللبنانية ووزارة الخارجية لتكذيب العدوّ وادّعاءاته غير المنطقية أمام الرأي العام الدولي”.
وتؤكد مصادر قريبة من “حزب الله” أن “لا داعي للرسائل بين باسيل والحزب، فالحوار المباشر قائم بين الطرفين، وهناك لقاءات دورية متواصلة بين السيد نصرالله وباسيل، إضافةً إلى لقاءاتِ المتابعة بين باسيل والحاج حسين خليل المعاون السياسي لنصرالله، أو مسؤول لجنة التنسيق والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا”.
وعلى الضفة الأُخرى تلفت مصادر حزبيّة معارِضة لقوى الثامن من آذارإلى أنّ “وجودَ الصواريخ مؤكّد، بغض النظر إن وُجدت فوق الملعب أو تحته أو في مكان آخر… فبالتأكيد ليست معروضةً على الحشيش”. وترى أنّ “مشوار باسيل خطوةٌ استعراضية، وقد يراها السفراء مسرحيّةً هزليّةً، وأنّ باسيل يحاول أن يزايد بمقدار الإمكان تجاه “حزب الله” لرفع حظوظه الرئاسية”.
وماذا عن شكر “الحزب” لكلٍّ من عون وباسيل على مواقفهما في المحافل الدولية؟ تجيب هذه المصادر: “خطوة “حزب الله” بدورها مسرحيّة، وذلك لتشجيع عون واستدراجه إلى خطواتٍ مماثلة أكثر، ولكن في النهاية “بكير” على رئاسة الجمهورية”. أمّا مصادر “حزب الله”، فتجزم “أننا لم نطلب ولو لمرة واحدة من عون أو باسيل اتخاذ موقفٍ ما، ولذلك حين نختلف مع “التيار” على أمور معيّنة “منطنِّش” لأنّ المواقف الاستراتيجية التي يتّخذها كلّ من عون وباسيل أكبر وأهم بكثير من الخلافات على مسائل بسيطة”.