ليس انزلاق شاحنة تنقل أسلحة إلى «حزب الله» عند كوع بلدة الكحالة المسيحية مجرّد حدث عابر. يرمز الإنزلاق إلى مدى تدهور الوضع اللبناني من جهة ومدى سقوط البلد تحت الهيمنة الإيرانيّة من جهة أخرى. في هذا السياق، تبدو ردود فعل المواطنين المسيحيين من أهل البلدة التي قتل مسلحو الحزب أحد سكانها تعبيرا عن حال من اليأس لا شفاء منها.
ظهرت امرأة مسيحية تصيح، بما معناه، اننا نريد السلاح لمواجهة السلاح. أي أن المسيحيين يريدون سلاحا كي يدافعوا عن انفسهم في مواجهة سلاح «حزب الله». يردّد معظم المسيحيين مثل هذه النغمة غير مدركين أن السلاح لم يجلب لهم سوى الكوارث وذلك منذ اليوم الذي قرروا فيه انشاء ميليشيات مسلّحة خاصة بهم لمواجهة الوجود الفلسطيني المسلّح في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق القاهرة في خريف العام 1969. لدى المسيحيين في الوقت الحاضر مهمّة وحيدة، من وجهة نظر ايران، هي توفير الغطاء لسلاح ميليشيا «حزب الله». هذا ما فعله ميشال عون وصهره باسيل في اليوم الذي وقع فيه قائد سابق للجيش اللبناني وثيقة مار مخايل مع الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله في السادس من شباط – فبراير 2006 تمهيدا للوصول إلى قصر بعبدا.
ليس ما حدث في الكحالة سوى تتمة طبيعية لوثيقة ما مخايل التي كشفت مدى استعداد بعض المسيحيين للعب دور الأداة لدى أعداء لبنان من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة. يظلّ اخطر ما في الأمر، أنّه لا يزال يوجد قسم من المسيحيين يرى في ميشال عون بطلا لقضيّة تختزلها طموحات رجل استطاع الإنتقال من حضن صدّام حسين إلى الحضن الإيراني… مرورا بالحضن السوري، من أجل أن يكون رئيسا للجمهوريّة!
يعكس انزلاق الشاحنة عمق الأزمة اللبنانية. مصير البلد في مهبّ الريح اكثر من أي وقت. جعل كوع الكحالة اللبنانيين ينسون مجموعة من الأحداث وقعت في الأيام الأخيرة. من بين تلك الأحداث اغتيال مسؤول سابق في «القوات اللبنانيّة» في بلدة عين ابل الجنوبيّة. لماذا اغتيل الياس الحصروني؟ هل يمكن الفصل بين اغتياله وعملية الإخضاع المستمرّة للمسيحيين اللبنانيين المطلوب تهجير اكبر عدد منهم من لبنان؟ هل يمكن الفصل بين دخول «حزب الله» على خط الحرب على الشعب السوري تنفيذا لرغبات ايران وإلغاء الحدود اللبنانية – السورية التي يهرب منها السلاح في الإتجاهين من دون حسيب او رقيب؟
أفضل ما حصل في الكحالة كان تدخل الجيش اللبناني الذي تبيّن أنّه يتعاطى مع الأمور، في ظلّ موازين القوى القائمة. يتعاطى مع الأمور بواقعية ليس بعدها واقعيّة. تتمثل هذه الواقعيّة في وجود سلطة وحيدة في لبنان هي سلطة «حزب الله»، أي «الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران. تعني سلطة «حزب الله» أن لا رئيس للجمهوريّة غير الرئيس الذي يحظى بموافقة الحزب ولا حكومة تحكم، ولو في الحدّ الأدنى كما حال الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي، من دون التزام تعليمات الحزب وتوجهاته.
من هذا المنطلق، كانت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة على حقّ عندما اعتبرت لبنان ساقطا سياسيا وعسكريا وعندما دعت مواطنيها إلى مغادرته. صار لبنان دولة معادية للبنانيين أنفسهم ولكلّ ما هو عربي في المنطقة. ما لم يفهمه اهل الكحالة أن كل مسيحي صوّت في الانتخابات، أي انتخابات، مع «التيار الوطني الحر» كان مؤمنا بأنّ لا مهمة للمواطن اللبناني سوى لعب دور الغطاء لسلاح «حزب الله». جاءت انزلاقة سلاح الحزب عند كوع البلدة لتذكيره بذلك.
من منع فيلم «باربي» إلى انزلاق سلاح «حزب الله» عند كوع الكحالة، يتبيّن أن لبنان يعيش في ظلّ الاحتلال الإيراني. تصرّف الجيش بطريقة توحي بأنّه يستوعب الوضع استيعابا عميقا. استطاع إيجاد مخرج، بالتي هي احسن، بعد وقوع حدث في غاية الخطورة. يؤكّد هذا الحدث الذي طغى على كل ما عداه، بما في ذلك اغتيال الياس الحصروني في جنوب، على طريقة اغتيال لقمان سليم، أن لا قعر للإنهيار اللبناني ولمؤسسات الدولة أو ما بقي منها.
يبقى أنّه لا يمكن تجاهل أمر في غاية الأهمّية مرتبط بمواجهة اللبنانيين سلاح «حزب لله» عندما حاول «حزب الله» اقتحام عين الرمانة في تشرين الأول – أكتوبر 2021. ذهب الحزب إلى تحدي منطقة مسيحية لتغطية سعيه إلى اغلاق أي تحقيق في تفجير مرفأ بيروت. يدل ما حصل يومذاك على أن في لبنان من لا يزال يقاوم، تماما مثلما قاومت الكحالة في الماضي وفي الحاضر. لكنّ الأهم من ذلك كلّه بلوغ خلاصة واحدة وحيدة أن لبنان لا يعيش في ظلّ السلاح غير الشرعي.
العلّة الأساسيّة في لبنان اسمها السلاح، سلاح «حزب الله» تحديدا الذي تسبّب، بين ما تسبب به، في تهجير اللبنانيين من لبنان والسوريين من ارضهم ومنعهم من العودة إلى تلك الأرض كونه ينفّذ مخططا إيرانيا في ما يخصّ سنّة سوريا ومسيحيي لبنان. هذا ما فهمه معظم السنّة اللبنانيين الذين يتصرفون كما أن لا حول لهم ولا قوة.
هل مطلوب الإستسلام امام سلاح «حزب الله»؟ الجواب أنّ المطلوب متابعة التنديد بهذا السلاح بدل ايجاد غطاء له كما فعل ميشال عون وصهره. لكنّ المطلوب أيضا تفادي أي مطالبة مسيحيّة بالسلاح والتسلّح. لم يعد السلاح على اللبنانيين، بكل طوائفهم سوى بالويلات والكوارث. يؤكّد حدث كوع الكحالة ذلك بعدما ارتدت وثيقة مار مخايل على موقعها وعلى كلّ مسيحي في لبنان!