Site icon IMLebanon

“حزب الله” العسكري بمعركة وجودية… والسياسي هل يكون؟

 

 

انتُخب الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لـ»حزب الله»، وجاء المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ورحل، وانتهت الديبلوماسية قبل 5 تشرين الثاني، موعد الانتخابات الأميركية، لكن بقيت معركة «حزب الله» وجودية على المستوى العسكري بعد تبيان تراجعاته الديبلوماسية، بعد سلسلة من الضربات العسكرية التي تلقتها قياداته في كل الصفوف منذ 17 أيلول.

سجّل تراجع «الحزب» عن ربطه مصير وقف إطلاق النار في غزة بوقفه في جنوب لبنان، أولى المحطّات الرئيسة في المسار التفاوضي الذي يعكس مجريات الميدان.

 

 

بهذا التحوّل الأول، باتت غزة وجنوب لبنان خطّين متوازيين لا يلتقيان بتاتاً، على رغم من أنّ «حزب الله» و«حماس» حاولا جاهدَين ربطهما وجمعهما ولو معنوياً، لعلّهما ينجحان في تشكيل ورقة ضاغطة على الإسرائيلي للتراجع عن وتيرة القصف. لكنّ الأخير سوّى غزة بالأرض ودمّر «حماس» وقياداتها وصواريخها، ومحا أحياء وشوارع وقرى في جنوب لبنان، ودمّر مئات المباني في كل من الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، مؤكّداً أنّ وقف النار لن يكون بغير شرط رئيس وأول: «لا وجود لأي تنظيم مسلّح معادٍ للدولة العبرية على حدودها».

 

التراجع الثاني الذي سجّل «حزب الله» في المفاوضات، كان قبول تراجعه عسكرياً إلى الداخل، على رغم ممّا يشكّل ذلك من ارتياب لبقية أفرقائه السياسيِّين وحتى بعد التفاف حلفاء له عليه، عند أول فرصة اهتزّ فيها.

 

هذا التراجع، يعني منح صلاحيات أوسع لقوات حفظ السلام «اليونيفيل» في جنوب الليطاني، لكنّ نقطة الخلاف اللبنانية ـ الإسرائيلية كانت أنّ لبنان يرفض منح «اليونيفيل» أي صلاحية بتفتيش الأملاك الخاصة معتدياً على السيادة اللبنانية، بينما لا تؤمن إسرائيل بأنّ «اليونيفيل» قادرة على مواجهة إعادة تموضع «الحزب» في جنوب الليطاني أو بناء أنفاق وتعزيز ترسانته العسكرية.

 

تزامناً، لا يظهر الإسرائيليّون أي قبول بفكرة أنّ الجيش اللبناني قادر على تجريد «حزب الله» من سلاحه، نظراً للتركيبة الطائفية لكل مكوّنات الدولة اللبنانية، ممّا يجعلهم يعتقدون أنّ الزعماء السياسيِّين في لبنان يفضّلون «إعادة تموضع وتسلّح ناعم وهادئ» بلا أي ضوضاء أمنية أو معلوماتية على حساب التفكّك أو الدخول في مواجهة داخلية مسلّحة.

 

أمام هذه التحدّيات، حاول الأمين العام الجديد للحزب إعادة تبرير وجود ضرورة للسلاح والاستمرار بالحرب، حتى وإن أشار إلى أنّه مستمرّ في الطريق الذي بدأه سلفه السيد حسن نصرالله.

 

إلّا أنّ قاسم أجرى تعديلات على صعيد المسار الذي رسمه نصرالله، تبعاً لمتغيّرات الميدان، خصوصاً بعد فتح جبهة الخيام، ما جعل منطقة الشريط الحدودي مشتعلة بكاملها، ما يرتّب صعوبات إضافية في المواجهة الميدانية. وحاول قاسم في خطابه الأول كأمين عام، كسب الشرعية أمام جمهوره أولاً وأمام الأفرقاء السياسيِّين في البلد، مدركاً أنّ وجودية سلاح «حزب الله» بعد الحرب مهدّدة بشدة، وانّ كثيرين في الداخل والخارج لم يعودوا يرون أنّ هذا السلاح باقٍ.

 

 

بخطابه الهادئ، ومن دون تهديدٍ أو وعيد، يحاول قاسم التمهيد لصورة جديدة لـ»حزب الله» ربما لا تكون خالية تماماً من السلاح، لكن بوضعية أضعف ممّا كان عليه سابقاً لبنانياً وإقليمياً.

 

كما يعتقد الإسرائيليّون، وضمنياً يوافقهم الأميركيّون، أنّ الفرصة مؤاتية لإنهاء الحالة المسلّحة لـ«حزب الله» في لبنان وسوريا، ولذلك لا تراجع عن رفع وتيرة الحرب، بعدما أجهضت حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلية مساعي وقف إطلاق النار، منهيةً مهمّة هوكشتاين قبل الرئاسة.

 

وتدرك الحكومة الإسرائيلية أنّ استمرار الحرب يمكن على الأقل حتى مطلع العام المقبل، مع توسيع رقعتها رويداً رويداً إذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فيما سيتعيّن خفضها في الأسابيع الأخيرة من هذه السنة قبل تسلّم المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس مقاليد الحكم في حال فوزها.

 

أمام فرصة خلوّ الساحة من القوة الأميركية الفعلية في الديبلوماسية، ينفتح باب آخر أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقضاء على ما تبقّى من أذرع إيران وحماس على حدود الدولة العبرية، وتشكيل حزامٍ خالٍ من السلاح الموجّه إلى تل أبيب. بيد أنّ امتحاناً صعباً أمام نتنياهو يتجلّى بوصول دبابات جيشه إلى الليطاني قبل نهاية السنة، إذ إنّ وتيرة التوغّل شديدة البطء لكن كثيفة تدميراً وقتلاً جنوباً وبقاعاً.