Site icon IMLebanon

ما الفارق بين عامي 1988 و2022؟

 

 

خسر «حزب الله» الأكثرية النيابية في استحقاق 15 أيار، ولم يفلح في تحقيق الترسيم واستخراج الغاز قبل أيلول كما وعد وتوعّد، ولم يتمكّن من حسم الترشيحات الرئاسية داخل صفوفه، ويقف عاجزًا أمام مطلب حليفه العهد بتشكيل حكومة ثلاثينية.

يُفترض التمييز بين علّة العلل في لبنان والمتعلِّقة بسلاح «حزب الله» الذي يمنع قيام دولة ويحول دون مكافحة الفساد ويعرِّض لبنان لعزلة ومخاطر كبرى، وبين منعه من أن يتمدّد داخل الدولة ومؤسساتها، لأنّ نزع سلاحه، ويا للأسف، غير ممكن، ولكن ما هو متاح يكمن في انتخاب رؤساء وتشكيل حكومات غير مطواعة ولا تنفِّذ سوى ما يخدم المصلحة العليا للبنان.

ويستحيل الكلام طبعًا عن حلّ نهائي للأزمة اللبنانية في ظلّ دولة داخل الدولة، ولكن عدم القدرة على ولوج الحلّ النهائي لا يعني الاستسلام والاستقالة من الدور الوطني، لأنّ أي توجُّه من هذا القبيل يخدم «حزب الله» الذي يريد ان تُخلى الساح له، فيما مشاريع الطلاق أو التقسيم أو الفدرالية لا تتحقّق سوى من خلال ميزان قوى غير موجود اليوم، وبالتالي الخيار الأوحد في هذه المرحلة المواجهة من داخل المؤسسات، وهو أمر متاح وأثبت جدواه وفعاليته في أكثر من محطة ومناسبة.

وفي كل مرة كانت القوى السيادية موحّدة شكّلت سدًا منيعًا أمام «حزب الله»، وفي كل مرة كانت مشرذمة نجح فيها في تسجيل النقاط ودفع مشروعه قدمًا إلى الأمام. وجُلّ ما هو مطلوب اليوم العمل وفق ثلاثية ذهبية: مواصلة المواجهة السيادية التي تشكّل باب الخلاص الوحيد للبنان، توحيد الصفوف السيادية، وخوض الاستحقاقات الدستورية للحدّ من تأثيره داخل الدولة.

فأي مواجهة يجب أن تنطلق دومًا من مبدأ المتاح والمستطاع تحقيقه، وهذا لا يعني التخلّي عمّا هو صعب تحقيقه، إنما ربط النزاع معه ومراكمة القوة والجهوزية، بانتظار اللحظة المناسبة في عالم متغيِّر ينام على شيء ويصحو على شيء آخر تمامًا، خصوصًا انّ «حزب الله» لا يستطيع انتخاب رؤساء وتشكيل حكومات بقوة السلاح، إنما برضوخ الكتل النيابية والقوى السياسية لمشيئته تجنّبًا لحروب وفوضى وعدم استقرار، وهذا ما يجب تلافيه من الآن فصاعدًا بأن لا تسويات على حساب الدولة والدستور، ولو انزلقت البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، لأنّ المسؤولية على هذا المستوى تقع على الفريق الذي يضع اللبنانيين بين خياري الاستسلام لشروطه أو الفوضى، وبالتالي فلتكن الفوضى على الجميع، طالما انّ شروطه ستقود عاجلًا أم آجلًا إلى الفوضى، والدليل واقع الحال اليوم.
وقد أثبتت الأحداث أيضًا، انّ التنازل السيادي تجنبًا لمؤتمر تأسيسي يسعى إليه «حزب الله» كان خطأً كبيرًا، لأنّه لا يستطيع الوصول إلى نظام سياسي جديد من دون موافقة الجماعات اللبنانية والقوى السياسية، وبالتالي كان يستخدم هذا التوجُّه لجرّ القوى السيادية إلى تنازلات سياسية، فيما هدفه الأساس الإمساك بمفاصل السلطة في لبنان على غرار حليفه النظام السوري قبله، وكل ما يريده الاحتفاظ بسلاحه الذي يشكّل الأداة الأساسية لتحقيق مشروعه، ومواصلة دوره الإقليمي من دون مضايقات داخلية.
ولا يستطيع الحزب الإطمئنان إلى سلاحه ودوره من دون سلطة شرعية تشكّل الغطاء للسلاح والدور، وهذا بالتحديد ما يمكن التصدّي له. وقد استخدم كل الوسائل غير المشروعة بين عامي 2005 و2008 لتعطيل دور الدولة التي استفادت من دينامية انتفاضة الاستقلال وراحت تتمدّد، فووجهت بالاغتيالات والتعطيل والإقفال وصولًا إلى أحداث أيار واتفاق الدوحة الذي بدأ معه المسار التراجعي للدولة والدينامية السيادية.
وبعد ان استحوذ «حزب الله» على كامل السلطة وأوصل لبنان إلى ما وصل إليه، وبعد ان أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة رغبة اللبنانيين بالتغيير بعدما وصلوا إلى حافة اليأس من التعايش مع مشروع سياسي لا يشبههم، وبعد ان وصلت خيارات الحزب إلى الحائط المسدود، وبعد أن تراجع حضور حلفائه وطنيًا وشعبيًا ونيابيًا وسياسيًا، هناك فرصة مهمّة جدًا وعنوانها الاستحقاق الرئاسي الذي يستدعي التعامل معه كمحطة أساسية لإعادة وضع مسار الدولة على الطريق الصحيح، خصوصًا انّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعقبه تكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة، أي سلطة تنفيذية جديدة يجب ان تزاوج بين ألّا تكون عدائية وألّا تكون خاضعة، لأنّ ميزان القوى القائم لا يسمح لها بالذهاب بعيدًا، ولكن جوهر دورها تجميد الانهيار والوضع، وتكون صاحبة مشروع واضح، ولا تخشى من رفض كل ما يسيء إلى الدولة ودورها.

فهناك فرصة جديدة على غرار الفرصة التي انطلقت مع انتفاضة الاستقلال، وهذه المرة مع انتفاضة الانتخابات النيابية، وأسوأ ما يجب عليها تلافيه التفكير بردّة فعل «حزب الله»، فيما جلّ ما عليها فعله القيام بدورها على أكمل وجه، ومن أبسط الأمثلة لهذا الدور ان تتخِّذ الحكومة قرارًا بإقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية، وفي حال تمنّع الحزب بالقوة، عليها ان تفضحه أمام اللبنانيين وتُعلن على الملأ وأمام المجتمع الدولي بأنّه يرفض تنفيذ خطوة سيادية وإصلاحية تشكّل أحد الأبواب الأساسية للتهريب والفساد وسرقة أموال الشعب اللبناني.

فإذا كانت السلطة عاجزة عن نزع سلاح «حزب الله»، إلّا انّها يُفترض ان تكون قادرة على ضبط الحدود وتوجيه التحذير العلني للحزب من استخدام سلاحه او جرّ لبنان إلى حرب أو الإساءة إلى علاقات لبنان الخارجية وتحديدًا الخليجية، وأكثر ما يجب إسقاطه هو وهم السلاح، ووهم قدرته على فرض مآربه بالقوة.

وفي موازاة الظروف الداخلية غير المؤاتية لمشروعه، فإنّ الظروف الخارجية تُقلقه، بدءًا من القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن، والذي يحمل رقم 2650 ويجيز للقوات الدولية التحرُّك من دون مؤازرة لبنانية، مرورًا بالموقف المصري الحازم لضرورة قيام دولة تتولّى مسؤولياتها الفعلية، وصولًا إلى الموقف الخليجي الرافض تقديم أي مساعدة تستفيد منها دولة «حزب الله»، ومن دون هذه المساعدات يعني البقاء في دوامة الانهيار.

ولكون «حزب الله» يدرك هذه الوقائع، سيلجأ إلى مزيد من شراء الوقت قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعيد إنتاج السلطة بالشكل الذي لا يُناسبه، وبالتالي سيكون التعطيل وسيلته الوحيدة، ولكن هذا التعطيل سيف ذو حدّين، لأنّ المجتمع الدولي قد يعمد إلى التدخُّل وفرض تسوية سياسية تُجنِّب لبنان الفوضى التي لا يريدها، وأي تسوية برعاية دولية ستحدّ من دوره وسلاحه، وتجنّبًا لذلك قد يسهِّل الانتخابات الرئاسية لقطع الطريق على التدخُّل الدولي، ومراهنًا على قدرته في منع السلطة الجديدة من التأثير على مشروعه.

ولكن، مشكلة «حزب الله» الأساسية اليوم تكمن في أنّ حليفه العهد لا يأخذ حشرته في الاعتبار، وأولويته الفراغ الرئاسي الذي يفتح الباب بنظره لفرصة النائب جبران باسيل الرئاسية، ويخوض معركة تأليف حكومة جديدة يصرّ على إدخال 6 وزراء سياسيين إلى متنها وفي طليعتهم باسيل ليتولّى استمرار نهج العهد انطلاقًا من انّ كل وزير هو رئيس للجمهورية في حقبة الفراغ.

والعائق الرئيس أمام حكومة من هذا القبيل هو الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الذي لا مصلحة له سنّيًا وسعوديًا في منح العهد الورقة التي يريدها قبل رحيله، وأقصى ما يمكن ان يقبل به تعويم حكومته الحالية مع بعض التعديلات الطفيفة لوزراء تقنيين، ويلقى ميقاتي الدعم المطلق من حليف الحزب الرئيس نبيه بري، وبالتالي كيف سيخرج السيد حسن نصرالله من هذا المأزق بين مطالب متناقضة لحليفيه الأساسيين، خصوصًا انّ العهد يلوِّح بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال استمرت حكومة تصريف الأعمال، واعلن مرارًا وتكرارًا بأنّه سيتعامل معها كحكومة مغتصبة سلطة، وانّه سيلجأ إلى خيارات أخرى، وهذه الخيارات ستُدخل البلاد في بلبلة دستورية قد تشكّل بدورها المدخل للتدخُّل الدولي، على غرار ما حصل في الفترة التي سبقت اتفاق الطائف، وكان الدافع الأساس إليها، الدور الذي أداه الرئيس ميشال عون؟

وفي هذا السياق، يقول مرجع ديبلوماسي عربي، انّ الفارق بين عامي 1988 و2022، انّ الرئيس عون كان قادرًا في نهاية ثمانينات القرن الماضي على حماية توجّهاته وخياراته غير الدستورية عسكريًا وشعبيًا، فيما لا يملك اليوم القوة ولا القدرة على توفير الحماية لأي توجُّه أو خيار قد يلجأ إليه، إن بعدم مغادرة القصر الجمهوري أو بسحب التكليف من ميقاتي أو بالدعوة لاستشارات نيابية لإعادة تكليف رئيس حكومة، وغيرها من السيناريوهات التي يتمّ الحديث عنها والتي ستبقى عند حدود الموقف السياسي غير القادر على ترجمته على أرض الواقع، والذي لا يلقى التأييد من أي فريق سياسي وازن.