بداية لا بد من القول بأنّ الاستعمار -أي استعمار- إن كان استعمار ثقافة الموت أم استعمار ثقافة الحياة مرفوض من حيث المبدأ. ولكن هنا لا بد من التفريق بين ثقافة الموت وثقافة الحياة… أكيد ان ثقافة الحياة هي أفضل بمليون مرة من ثقافة الموت، لأنّ الأولى تعطي الأمل بحياة أفضل وعيشة رغيدة وتقدّم للبشرية. وعلى سبيل المثال فإنّ النظر الى الجامعة الاميركية في بيروت وما خرّجته من أجيال وأجيال البعض منهم يحكمون العالم العربي… ناهيك عن الجامعة اليسوعية… هذا على صعيد التعليم الجامعي وهناك آلاف المدارس أسّستها الإرساليات والبعثات الكاثوليكية والبروتستانية، كلها رفعت من شأن الانسان في لبنان فأصبح لبنان مدرسة وجامعة ومستشفى العالم العربي.. ويمكن للطالب في كلية الطب أن ينتقل الى أهم الجامعات الاميركية من دون واسطة أو تعب.
هذا، في لبنان حيث كان الشعب اللبناني محظوظاً لكن هذه النعمة لم تدم إذ جاءنا الفلسطينيون بعد «اتفاق القاهرة» واحتلالهم جزءاً من لبنان، هذا الاحتلال استدعى احتلالاً إسرائيلياً عام 1982، والاحتلال الاسرائيلي جلب الاحتلال الفارسي بحجة التحرير الذي انتهى عام 2000 بالانسحاب الاسرائيلي. لكنّ «مسمار جحا» ظلّ موجوداً إذ هناك أمور عالقة هي تلال كفرشوبا وبلدة الغجر ومزارع شبعا، وبالرغم من الحرب التي قامت بها إسرائيل عام 2006 رداً على اختطاف عسكريين إسرائيليين من قِبَل «الحزب العظيم» قامت حرب الـ32 يوماً وكلفت لبنان 15 مليار دولار خسائر و5000 قتيل وجريح والنتيجة مزيد من تدمير لبنان فقط تحت شعار ان التحرير الكامل لم يتم.
الاسرائيليون يعرفون أنّ تلال كفرشوبا هي أراضٍ سورية، وسوريا تعرف ولبنان يعرف، ولكن «الحزب» وسوريا بحاجة الى هذه الحجة كي يبقى سلاح الحزب خارج سلاح الدولة.
نعود الى أغبى استعمار في العالم ألا وهو الاستعمار الاميركي الذي بدأ في ستينات القرن الماضي في ڤيتنام.. فتكبّدت أميركا آلاف الجنود ومليارات الدولارات ولم تحقق شيئاً سوى خيبة الأمل وطُردت من ڤيتنام «طرد الكلاب» وآسف لهذا التعبير لكنه الحقيقة الـمُرّة..
لم يكتفِ الاميركيون بالفشل في ڤيتنام فجرّبوا مرة أخرى في العراق، ودخلوا إليه تحت شعار:
أولاً: القضاء على أسلحة الدمار الشامل.
ثانياً: طرد تنظيم القاعدة من العراق.
ثالثاً: إحقاق العدالة.
وللأسف فإنّ تلك الأمور كانت كاذبة حسب مجلة Foreign Policy، المهم أنهم دمروا العراق، أغنى دولة عربية وقتلوا وهجروا شعبها بسبب نظرية غير صحيحة.. والأهم أنّ هذه الحرب كلفت أميركا ما يقارب الأربعة تريليونات دولار على الأقل.
فالسؤال هنا لو أنّ هذه الأموال دفعت من أجل ثقافة الحياة، كيف كان حال العراق اليوم؟
مرة ثانية.. احتلال جديد لأفغانستان.. دمرت أميركا من خلاله الشعب والدولة الافغانية وقتلت الآلاف وتسببت بخسارة المليارات… وها هم مسؤولوها اليوم قرروا الانسحاب من أفغانستان بعد أن خسروا آلاف المليارات.. إذ بلغ إجمالي الكلفة 822 مليار دولار بين عامي 2001 و2019، ودمروا الشعب وأصبح الشعب الافغاني من أفقر الشعوب.
وهنا أيضاً نقول ماذا حققت أميركا غير الخزي والعار، والكره الذي قابلها به الشعب الافغاني الذي لم يسامح الاميركيين على ما فعلوه في بلادهم.
أما في سوريا فإنّ الاميركيين جاؤوا إليها واحتلوا منطقة في شمال سوريا.. وبالفعل عندي سؤال لا أجد له جواباً… ماذا يفعلون في شمال سوريا، وكم هي كلفة الخسائر التي تكبدها الاميركيون هناك؟
لقد قالت منظمة الرؤية العالمية «وورلد ڤيجن» إنّ التكلفة التي تكبدتها أميركا بلغت أكثر من 1.2 تريليون دولار…
وهنا لا بد من التساؤل: ألم يكن أجدى للأميركيين لو اتبعوا ثقافة الحياة، وتخلوا عن ثقافة الموت..؟
إنهم اتفقوا مع الروس ضد الشعب السوري، وفضّلوا ثقافة الموت التي انقلبت وبالاً عليهم وعلى الشعب السوري نفسه… فبئس الاختيار…