حراك مركّز تشهده المنطقة العربية بعيد استئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي في فيينا. ولبنان، حاضر في أي لقاء أو اجتماع، من اللقاء الفرنسي- السعودي إلى السعودي- العماني وأخيراً السعودي- الإماراتي، حيث التركيز على سحب سلاح «حزب الله».
اكّد أمس الجانبان السعودي والإماراتي، بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لدولة الإمارات يومي الثلاثاء والاربعاء، ولقائه ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن المنطقة واستقرارها كـ»حزب الله» الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهدّدة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم.
وكان صدر يوم السبت الفائت بيان سعودي- فرنسي مشترك، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية، وتناول ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود.
واتفق الطرفان على العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير، وأكّدا على ضرورة حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ومصدراً لتجارة المخدرات.
كما شدّدا على أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره، واتفقا على استمرار التشاور بين البلدين في كافة تلك القضايا، كما على إنشاء آلية سعودية- فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما على إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني.
وأكّدا كذلك على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و (1701) و(1680) والقرارات الدولية ذات الصلة.
القاسم المشترك بين البيانين، هو «حزب الله»، وضرورة حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وان لا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ليتميّز البيان السعودي- الفرنسي بذكر الطائف والقرارات الدولية. فهل من حلول تُطبخ على نار سريعة؟ وهل نحن أمام إنتاج تسوية جديدة في لبنان، السلاح مقابل النظام؟
رئيس لقاء «سيدة الجبل» فارس سعيد يقرأ في التطورات الاقليمية والدولية، وتحديداً في اللقاء الفرنسي- السعودي، الذي أعاد إلى الواجهة قرارات الشرعية الدولية واتفاق الطائف، ويعتبر أنّ «الجديد أنّ المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية تجاوز السقف الوطني لتتبنّاه قوة إقليمية كبيرة هي المملكة العربية السعودية، ودولة عظمى هي فرنسا. وكلاهما يرسمان خريطة طريق خروج لبنان من الأزمة، ويربطان هذا الخروج بآلية محدّدة أساسها الدستور ووثيقة الوفاق الوطني وقرارات الشرعيتين العربية والدولية».
ويقول: «حاولت فرنسا خلال الأشهر الماضية ان تبرّر للنظام الإيراني بعض النفوذ في المنطقة وتحديداً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولطالما كانت السياسة الفرنسية أقرب الى تفهّم وضع يد إيران على هذه المنطقة، لكن اليوم، بعد البيان المشترك الفرنسي- السعودي، وقّعت فرنسا كتابةً على ضرورة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وضرورة اعتماد الدستور واتفاق الطائف كنص مرجعي لحلّ الخلافات اللبنانية اللبنانية، وبالتالي، التحوّل لم يحصل لدى الجانب العربي بقدر ما حصل لدى الجانب الفرنسي. بمعنى انّ الرئيس ايمانويل ماكرون بعد تفجير 4 آب، تحدث عن أزمة نظام، فيما أصبح يتحدث اليوم عن ضرورة تنفيذ الدستور والطائف. كما أنّ ماكرون لم يتطرّق خلال اجتماعات قصر الصنوبر إلى موضوع سلاح «حزب الله» ولا إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، فيما اليوم يطالب بتنفيذ هذه القرارات».
هذا التحوّل، يقول سعيد، «هو تحوّل كبير، وهذا السقف حقق هدفين: أولاً، انتقال المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة وتطبيق اتفاق الطائف من مطلب محلي الى مطلب إقليمي، وثانياً، وضَع شروطاً على طاولة فيينا، بمعنى، انّ الشرط الأوروبي- العربي لتبنّي ما يمكن ان يصدر من تفاهم بين الأميركيين والايرانيين يمر عبر وثيقة التفاهم التي وُقعّت بين فرنسا والمملكة العربية السعودية».
ورداً على سؤال حول إمكان إنتاج تسوية في الداخل اللبناني تعتمد على معادلة السلاح مقابل النظام، يرى سعيد انّ «حزب الله» يحاول تسييل سلاحه بمزيد من النفوذ داخل النظام اللبناني، لكن نجاحه غير مؤكّد او محسوم، رغم ضعف خصومه السياسيين». ويضيف: «أن ينتقل لبنان من اتفاق الطائف إلى طائف جديد على قاعدة موازين قوى يحدّدها «حزب الله» أمر مستبعد».
سعيد لا يؤيّد نظرية خسارة فريق تؤمّن انتصاراً لفريق آخر في لبنان، ويعتبر انّ الكل في البلد خائف اليوم وليس وحده «حزب الله».
وعن وجود رهان على الفرنسيين او على السعوديين في المرحلة المقبلة، يقول سعيد: «لا شك انّ هناك دوراً كبيراً تلعبه كل من فرنسا والمملكة العربية السعودية». لكنه ذكّر بحدثين مهمين طبعا الأيام الأخيرة، الحوار الأميركي- الإيراني، والحوار الفرنسي – السعودي. وبترتيب الأولويات، صنّف سعيد الحوار الأميركي- الايراني بـ»الأهم»، «انطلاقاً من أنّ إيران عامل عدم استقرار في المنطقة، وهي تُشعل الفتن والحروب في المنطقة، وبالتالي، توصّل الولايات المتحدة إلى تفاهم مع ايران يُدخل المنطقة في حالة من الاستقرار، وفشل المفاوضات يزيد حالة عدم الاستقرار. في المقابل، ما حصل بين الرياض وباريس له أيضاً أهمية، لأنّ فرنسا كدولة عظمى تبنّت وجهة نظر محمد بن سلمان الذي أصبح اليوم عنواناً سياسياً حتمياً في المنطقة، ولا احد قادر على تجاهله».
ويرى سعيد أنّ هذا «الحراك الفرنسي- السعودي لا يأتي خارج السياق الأميركي، لسبب انّ العناصر الموجودة في متن البيان لا تتناقض مع مصلحة الولايات المتحدة. والحديث عن الدستور واتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية 1559، 1680، 1701، هي في صلب مطالب المجتمع الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية».