أوحت المواقف الاخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من استحقاقي رئاستي الجمهورية والحكومة بأنها تفتح باب التفاوض عليهما مع الرئيس سعد الحريري، في توقيت سياسي غامض لا يوحي بأن انتخاب الرئيس وشيك الى هذا الحد
على أثر ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، السبت، سارع الأفرقاء المعنيون في هذا الطرف او ذاك الى تبادل شروط التسوية.
فإذا ردود الفعل، ومن ثم الردود على الردود، أقرب الى تأكيدهم ان احداً منهم لن يبرح شروطه من الاستحقاق الرئاسي كما من ربط تسمية الرئيس المقبل للحكومة بانتخاب الرئيس. على نحو كهذا محا الاحد كلام السبت.
ومع أن الاستحقاق الرئاسي يقترب من دخول الشهر الرابع بعد السنتين من الشغور، بعد أيام قليلة، الا ان اياً من هؤلاء لم يعد يغفل ان الظرف الاقليمي ــــ لا المرشح ــــ هو مفتاح الوصول الى انتخاب الرئيس. بل بات الاستحقاق اسير ظرف اقليمي ينافس ظرفاً آخر اكثر منه أسير مرشح ينافس مرشحاً.
تعزّز وجهة النظر هذه بضعة معطيات، منها:
1 ــــ لم يعد انتخاب الرئيس منفصلاً عن الاتفاق على رئيس اولى حكومات العهد الجديد وتوزّع الحصص في الحكومة، كما ترجيح كفة النصاب، ناهيك بالاتفاق على ملفات مرتبطة بالدور المطلوب من العهد ــــ لا من الرئيس فحسب ــــ في الاقتصاد والجيش والامن وقانون الانتخاب. اضف الضمانات التي يطلبها الافرقاء الرئيسيون، واخصهم السنّي والشيعي من الرئيس كما وجودهما في قلب معادلة السلطة الى جانبه لحماية مصالحهم، بحيث يجد كل منهم في الرئيس المقبل كما في موقعه هو ضمان حماية مصالحه.
2 ــــ رغم الاعتقاد بأن الظرف الاقليمي هو الذي يؤذن بموعد انتخاب الرئيس، الا ان ذلك لا يقلل اهمية ان يتمتع المرشح بالمواصفات التي تتقاطع مع ذلك الظرف. من ضمن هذا القياس يكاد يكون ثمة خمسة مرشحين يتمتعون بالمواصفات المؤهلة التي تجد فرصة تقاطعها مع الظرف الاقليمي: اثنان في قوى 8 آذار هما الرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه، وثلاثة من خارج الاصطفاف السياسي هم الوزير السابق جان عبيد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جان قهوجي. لا يدخل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مصافّهم بسبب موقفه المتصلب من حزب الله وسلاحه، بينما الخمسة الآخرون أكثر استيعاباً للتفكير في القبول به والبحث عن سبل التعايش معه.
الاستحقاق أسير ظرف اقليمي ينافس ظرفاً آخر لا أسير مرشح ينافس مرشحاً
3 ــــ لا يجد حزب الله نفسه في الظرف الاقليمي الذي يحمله على توقع انتخاب رئيس في مدى قريب. دون سواه من الافرقاء المحليين، يكاد وحده ينتظر الظرف الاقليمي. ليس لدى قوى 14 آذار ما تراهن عليه في الخارج تنتقل تداعياته الى الداخل، وليس لدى الحريري ما يراهن عليه ايضاً سوى حل مشاكله المالية وداخل طائفته، بل يكاد يراهن على البقاء فحسب. خلافاً لما كانت عليه غداة التمديد للرئيس اميل لحود عام 2004، وغداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، ثم على اثر احداث ايار 2008، واخيراً على اثر انفجار الحرب السورية عام 2011، عندما راهنت قوى 14 آذار على تقلّبات اقليمية ودولية قادتها الى المواجهة مع الفريق الآخر، ها هي اليوم في مأزق التشتت وفقدان وحدة الموقف والصف، ما يجعلها مستعدة للتسوية، في حين ان حزب الله وحده ينتظر الظرف الاقليمي.
4 ــــ رغم ان لحزب الله اسماً واحداً للرئاسة هو عون، ويجهر به علناً ويغلق دونه الابواب، لا يعفيه ذلك من ان يحتفظ بأسماء اخرى بديلة. ليس صحيحاً ان ليس للحزب مرشح او لا يريد رئيساً مقدار ما هو ليس صحيحاً التيقن من ان لديه اسماً واحداً فقط. لذا يختلف تقييمه لكل من المرشحين الخمسة أولئك. يعرفهم عن قرب ويلمّ بنقاط قوتهم كما نقاط ضعفهم، ويراقب أداءهم وسلوكهم. لا يزعجه اي منهم، وفي وسعه التعوّد عليه والتأقلم مع طريقة حكمه. بيد انه لا يرى اوان الاستحقاق قد حان كي يقرر حسم موقفه من اي من الاسماء الخمسة تلك. وقد لا يكون اصراره على مرشح وحيد للاستحقاق هو رئيس تكتل التغيير والاصلاح الا تعبيراً عن ان مأزق الاستحقاق لا يزال يراوح مكانه في الانتظار، ما دام الحزب يعرف هذا الترشيح عقبة مقدار اعتقاده بأن السعودية تقف وراء الحؤول دون اقتراع تيار المستقبل له.
5 ــــ حزب الله هو اللاعب الوحيد دون سواه، القادر على تحمّل الانتظار، وفي اي حال يستطيع التعايش معه وتقبّل كلفته التي تظل اقل بكثير من اي تحوّل في المنطقة يتوجس منه. وهو بذلك يفضله على غرار ما حدث في ايار 2008. وافق على المرشح الرئاسي التوافقي حينذاك وحال دون انتخابه في انتظار ظرف يساعده على احداث تغيير قدمت له حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الذريعة فقلب الطاولة على رأسها. إذا الحصيلة لمصلحته في بعض ما رمى اليه: حصل من اتفاق الدوحة على حكومة وحدة وطنية كان يرفضها الطرف الآخر، وعلى النصاب المعطل الذي استخدمه في الحكومة التي تلت برئاسة الحريري عندما اسقطها ورئيسها خصوصاً بالثلث +1. الا انه اخفق ما كان يتوقعه من تسوية الدوحة، وهو الحصول على الغالبية النيابية في انتخابات 2009.
6 ــــ يتقدم الظرف الاقليمي لدى حزب الله على المرشحين الرئيسيين المتداولين. في احسن الاحوال هم الاضعف بالنسبة اليه، لأنهم اصحاب حاجة. مع ذلك ضيّق الخيارات، فلم يعد ثمة مرشحون خارج مقدرته على التأثير عليهم، أو من شأن اي منهم تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان مع الحزب عندما انتهت مخيبة قبل سنة ونصف سنة من نهاية الولاية. ما يحمل الحزب على تأكيد رفضه الخوض في مغامرة مماثلة.
7 ــــ لا يتوقع حزب الله اياً يكن مسار تطورات المنطقة والحرب السورية ان يعود الى لبنان لاعباً خاسراً، سواء في فائض القوة العسكري، او في الثقل الشعبي الذي لا يزال يتمتع به رغم الكم الكبير من سقوط مقاتليه في سوريا، او من خلال تحالفاته المحلية التي تساعده على ترجيح كفّته كلاعب رئيسي. لن يعود ضعيفاً على اهمية الخسائر في الحرب السورية، وقد بات اكثر تمرساً في القتال وتضاعفت قدراته العسكرية وخبراته الامنية. وهو بذلك يحتاج على الدوام الى خبرة الرئيس نبيه بري الى يمينه وتصلب الرئيس ميشال عون كحليف مسيحي الى يساره. يملك قدرة التعطيل لا قدرة الفرض. يستعين بعون على تعطيل الاستحقاق، وببري على مناورة المواجهة مع تيار المستقبل دونما قطع الجسر.
على ان الاهم ما الذي يريده حزب الله لانتخاب الرئيس.
ذات يوم قال الوزير فؤاد بطرس للرئيس الياس سركيس، وهو يستعد لقمة في دمشق مع الرئيس حافظ الاسد: إسألهم ماذا يريدون من لبنان.
رد: ماذا لو قال ما يريد، وانا لا اقدر على اعطائه.