يَعتبر «حزب الله»، بحسب أوساطه، أنّ قانون الانتخاب الجديد له منزلة الاتفاق السياسي غير القابل لزيادة فاصلة جديدة عليه أو انتقاص حرف واحد منه.
لقد أبرِم هذا الاتفاق خلال اجتماع الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله مع الوزير جبران باسيل، وتُرجمت روحيته خلال الإفطار الرئاسي الذي أطلق صافرةَ السير به، وبعد إبرامِه «ذهبَت السَكرة وجاءت الفكرة»، لدى كافة الأحزاب اللبنانية تقريباً، ومعظم المرشّحين الكبار للانتخابات النيابية من شخصيات مستقلة، إذ في ضوء القانون الجديد والصوت التفضيلي ضمنه يَشعر الجميع بإرباك كبير إزاء طريقة التعاطي ترشيحاً وتحالفاً.
وهذا الإرباك يفسّر جانباً من خلفيات انطلاق أصوات، على رأسِها الوزير جبران باسيل، تدعو إلى إدخال تعديلات على القانون تضمن من وجهة نظره «حسنَ التمثيل».
لكنّ «حزب الله» يعتبر أنّ الدخول في متاهة جديدة لتعديل القانون أو حتى إعادة طرحِه على طاولة التفاوض لن يكون مقبولاً لديه ولدى حليفه الرئيس نبيه بري. وتَجزم أوساط الحزب قائلةً: «هذا القانون نهائي، وعلى أساسه ستُجرى الانتخابات في أيار المقبل».
وتؤكّد أنه بعد إنتاج قانون الانتخاب، بدأ الحزب بَلوَرة خطوطه الحمر تجاه تحالفاته السياسية، وهي ثلاثة:
ـ الأوّل: قانون الانتخاب الجديد له منزلة الاتفاق السياسي الذي تمّ التفاهم عليه بين أطراف الطيف الأوسع من القوى السياسية الوازنة، وعليه، لن يكون مسموحاً لأيّ طرف الإخلال به أو العودة عن سطر واحد فيه أو حتى زيادة فاصلة عليه.
وترى قيادة الحزب، بحسب أوساطه، أنّ العودة عن النسبية السارية الآن في القانون الجديد، لمصلحة زيادة نكهة الأكثري فيه أو التأهيلي، هي أمرٌ سينعكس سلباً على كلّ الأحزاب اللبنانية، وضمنها «حزب الله».
ويبدو أنّ مسارات معركة الانتخابات البلدية إضافةً إلى الطريقة التي تفاعلت بها الاستجابة الشعبية مع موجة الحراك المدني قبل أشهر، أوصَلت رسالة للحزب تفيد أنّه بات مطلوباً بإلحاح حقنُ الحياة السياسية اللبنانية بجرعة من التطوير والإصلاح وبحيويات تُشعِر الأجيالَ اللبنانية الجيّدة عند كلّ الطوائف، وضمنها الطائفة الشيعية، بأنّ هناك أملاً في الخروج من حالة الصمغ السياسي الآسِن التي تشهدها الحياة السياسية.
ـ الثاني، «حزب الله» سيَرسم موقفَه من التحالفات الانتخابية، وفق معيار عدم مسايرة اتّجاهات داخل «التيار الوطني الحر» تريد بالتضامن مع «القوات اللبنانية»، إقصاءَ قوى مسيحية أُخرى، ومظلّة هذا الموقف لا تُظلل فقط المطالبة بحماية تمثيل تيار «المردة»، بل أيضاً، وإلى حدّ كبير، حزب الكتائب. فـ«حزب الله» لديه وجهة نظر بالنسبة إلى الكتائب تفيد أنّ تحالف باسيل ـ جعجع يبالغ في محاولاته إقصاءَ حزب الكتائب.
ويبدو أنّ تظهير «حزب الله» لموقفه هذا بدأ بالتفاعل، حيث أوعَزت قيادة الحزب إلى الجهات التنفيذية لتوسيع ملفّ العلاقة مع حزب الكتائب، بحيث لا تبقى فقط محصورةً داخل الندوة النيابية المكلّف النائب علي فياض متابعتها، بل لتشملَ أيضاً فتح حوارٍ سياسي مع حزب الكتائب عبر أطُر سياسية وتنظيمية في «حزب الله» مكلّفة التعاطي مع ملف القوى السياسية المسيحية.
ـ الثالث، يؤكّد أنّ الحزب ملتزم تجاه شخصيات غير شيعية حليفة لها بدعمِ ترشيحِها في دوائر عدة. بمعنى آخر، سيَسعى الحزب جدّياً إلى بناء كتلة نيابية حليفة له تضمّ نوّاباً غيرَ شيعيين وفي غير منطقة من لبنان.
وفي مقابل إصرار الحزب على إبقاء القانون الجديد في منأى عن أيّ تعديل، لوحِظ في الأيام الأخيرة تَعاظمُ موجة اعتراض على معطيات داخل القانون، وأكثر ما يجعل الغموض سيّد الموقف لدى المعترضين هو الصوت التفضيلي، فبعضُهم يرى فيه أنّه معطى يَسمح بحدوث مؤامرات غير متوقّعة يمكن أن ينفّذها متموّلون لتوجيه الصوت التفضيلي في اتجاه يفضي إلى إسقاط مرشّحين أقوياء في اللوائح القوية لمصلحة مرشّحين أقلّ شأناً تمثيلياً، وبما لا يقاس على لوائح منافسة.
وبَرز مَثلٌ شائع في كواليس القلِقين من الصوت التفضيلي، يتمّ تَداوله بصفته نموذجاً قابلاً للتعميم على دوائر أخرى، ومفاده أنّ في الدائرة الأولى في بيروت يمكن أن يكون الكاثوليكي ميشال فرعون ذو التمثيل الواسع في منطقته، ضحيةَ إقدام جهات متنفّذة ماليّة على إغراء ناخبين لإعطاء صوتهم التفضيلي للمرشّحين الموارنة على اللائحة المرشَّح عليها، والتي يتوقّع أن تضمّ التحالف «العوني» ـ «القواتي» وفرعون، والهدف من ذلك تمكين هذه اللائحة من الفوز بالمقاعد المارونية على حساب المقعد الكاثوليكي الذي على رغم نيلِه أصواتاً تفضيلية وفيرة سيتمّ إسقاطه لحساب مرشّح كاثوليكي على اللائحة الثانية المنافسة ينال أصواتاً تفضيلية أقلّ، وسيتمّ احتسابه رابحاً، كون اللائحة الأولى فازت بكلّ نسبتها من النواب الفائزين، ولم يعُد للفائز الكاثوليكي متّسعٌ للفوز وفقاً لطريقة الاحتساب النسبي على أساس الصوت التفضيلي لتوزيعة الفائزين في هذه الدائرة.
العملية الاحتسابية لمؤامرات من هذا النوع، يحتاج إيضاحُها إلى الدخول في متاهات تقنية ليس هنا مجالها، ولكنّ خلاصة الاستنتاج في شأنها، بحسب منتقدي الصوت التفضيلي داخل النسبية، يتمثّل في أنّ اعتماد هذا الصوت على أساس القضاء وقانون النسبية سيكون سيفاً في يد المال الانتخابي يمكن أن يبطش بقوّة، إذا أُحسِنَ استخدامه، بمرشّحين متقدّمين شعبياً في مناطقهم ودوائرهم الانتخابية لمصلحة مرشّحين أقلّ شأناً وحتى مغمورين.
ويفترض القائلون بهذا الأمر أنّ خطورته تتأتّى من اقتناعهم بأنّ مراقبة صرفِ المال الانتخابي مهما كانت شفّافة إلّا أنّها في بلد كلبنان لن تكون قادرة على قمعِ تدخّلِه بالمقدار الكافي.