ثمّة خبر غامض بمضمونه تم ترويجه بالأمس بكلام منسوب إلى حسين أمير عبداللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني، وينسب الخبر ـ وهو مفبرك في الغالب ـ إلى أنّ أكثر من طرف لبناني زار إيران في الآونة الأخيرة سمع من عبداللهيان تساؤله: «ما هو السبيل لسحب ترشيح العماد ميشال عون؟»، «توليفة» الخبر بحدّ ذاتها فاشلة، ومن سرّبها أشدّ فشلاً، إذ أتبعها باستنتاج عظيم وهو «أن مرشّح إيران الحقيقي لرئاسة الجمهورية هو النائب سليمان فرنجية»!!
ربما كان الترويج لهذا الخبر ضرورة بعدما تجاهل أمين عام حزب الله حسن نصرالله ملفّ الرئاسة وانتخاب رئيس للجمهورية في خطابه أوّل من أمس، خصوصاً وأنه كان قد قال فيه الكلمة الفصل في خطابه في 29 كانون الثاني الماضي، نزداد يقيناً أن لا انتخاب رئاسية لبنانيّة في الأفق، وأن نوّاب حزب الله سيستمرون في مقاطعة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية ومعهم كتلة نواب الإصلاح والتغيير، ومثلهم سيفعل سليمان فرنجية لأنّه لا يستطيع أن يتجاوز حليفه حزب الله «وليّ أمر لبنان» بعد الوصاية السورية، وفي زمن الاحتلال الإيراني!!
حسناً؛ لماذا نذهب إلى التأكيد على أنّ جلسة الانتخاب المقبلة سيكون مصيرها كسابقاتها وليس أكثر، وهنا علينا أن ننعش الذاكرة اللبنانيّة التي تمتهن النسيان أحياناً لمخادعة اللبنانيين، ولنبدأ بالذاكرة القريبة، فلنعد إلى خطاب حسن نصرالله أمين عام حزب الله في 29 كانون الثاني الماضي، فقلّة تنبّهت أن نصرالله بدأ خطابه بقول للأمام عليّ الأصغر زين العابدين السجاد ـ عليه السلام ـ فقال: «عندما أردت أن أكتب بعض الكلمات في الملف الرئاسي (…) في ما يشرح ما جرى وما حصل ويحدد موقفنا ورؤيتنا وكيف يجب التعاطي مع هذا الملف في المرحلة المقبلة (…) عندما كنت أحضّر وجدت أمامي حديثاً أحببت أن اقرأه في البداية لانه خير معين عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين أنه قال: «مفاتيح الامور الصدق وخير خواتيهما الوفاء»، ودخل في منظومة الحديث عن الصدق وخلص إلى موقف حزب الله في الملفّ الرئاسي، وهو لم يتطرّق إليه في حديثه في 17 شباط الجاري لأنّه قال كلمته وانتهى قبل عشرين يوماً ولا جديد يُقال فيه.
في ذلك الخطاب شرح نصرالله باستفاضة موقف حزب الله من ترشح ميشال عون للرئاسة وكانت الخلاصة: «إذا بيكون مضمون الغد إذا بينعقد مجلس النواب وينتخب العماد عون رئيسا للجمهورية نحن ننزل ونشارك في الجلسة وننتخب ولا بدنا تعديلات دستورية ولا مؤتمر تأسيسي تحت الطائف وبسلّة وبلا سلّة نحن جاهزون اتكلوا على الله»، وكان الرئيس نبيه برّي قد لاقى حزب الله بموقف عطّل فيه حضور كتلته النيابيّة لانتخاب رئيس للبلاد مشترطاً حضور كتلة نواب حزب الله، ونقطة على السطر.
إلقاء الطابة الرئاسية في ملعب الجنرال ميشال عون والانتظار أن يسحب ترشيحه، فهذا أمرٌ لن يحدث بالتأكيد، وهنا علينا أيضاً أن ننعش الذاكرة اللبنانيّة بلقاء جمع في 16 حزيران العام 2015 سيرغي بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أبلغ حسين أمير عبداللهيان خلال زيارته لموسكو نهاية أيار العام الماضي «أنّ على ميشال عون أن يفسح المجال أمام غيره من المرشحين ويسمح لشخصيات مسيحية أخرى معروفة بالترشح، أو على الأقل المبادرة مع حلفائه إلى تأمين النصاب في مجلس النواب اللبناني لكي ينتخب النواب من يرونه مناسباً للرئاسة»، وأوضح يومها بوغدانوف لعبداللهيان أن التمسك بترشيح عون هو أمر غير مفيد ولا يساعد على تسهيل انتخاب الرئيس، بل من شأنه إطالة أمد الفراغ في سدة الرئاسة ما قد ينعكس سلباً على استقرار لبنان ومصالح المسيحيين فيه»، يومها دعا عبداللهيان نظيره الروسي متذاكياً عليه إلى درس طرح عون القاضي بضرورة انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، لكن بوغدانوف أبلغه أن «روسيا ترى أن هذا الطرح من شأنه أن يؤذي المسيحيين بدل إفادتهم، خصوصاً بعدما أصبحوا حالياً أقلية في لبنان».
ما الذي تغيّر منذ بدأ الفراغ حتى اليوم، لا شيء، ما زال لبنان يراوح في نفس الفراغ، فهل يظنّن أحدٌ أنّ حسن نصرالله الذي فرض التعطيل طوال تسعة عشر شهراً، سيسمح بانتخاب رئيس فيما كان يُحدّد موعد انتصاره في سوريا بعد أشهر قليلة؟ وإذا كان قبل الانتصار يريد سلّة، فإنّه إن انتصر محوره ـ لا قدّر الله ـ سيريد البلد بأكمله!!