لم يكن ينقص لبنان إلّا «كورونا» لتدخل بدفء وغرور الى مصطلحات الاشتباك السياسي الداخلي، وهذه الـ»كورونا» بالمهزلة التي تحصل، تثبت انّ لبنان هو بلد العجائب فعلاً، إذ حتى الامراض والأوبئة تتحول فيه أسلحة سياسية وخناجر… لكن رغم كل ذلك ثمّة من يتوقع بصيص نور بدأ يلوح في نهاية النفق، وهو ناجم من تطور انخفاضين عالميين يتيحان فرصة للبنان عليه اقتناصها.
أولاً، كل الذين يهاجمون الحكومة يعرفون الامكانات المتوافرة لدى الدولة.
ثانياً، انّ هذه الحكومة أقدمت وتصَدّت حيث هرب الآخرون من المسؤولية.
ثالثاً، هناك من هو منخرط في المعركة وهناك من ينظّر من الخارج، والدليل انّ طواقم الدولة المترهّلة تقاتل لمواجهة المرض، وانّ مستشفى حكومياً واحداً يتحمّل كل العبء في الوقت الذي يوجد في البلد مئات من المستشفيات الخاصة.
ولذلك، فإنّ لبنان هو فعلياً يواجه باللحم الحي في ظل تَصحّر الدولار وشبه المجاعة وانهيار مؤسساتي واقتصادي ومالي، وجاء كورونا ليطفح الكيل.
على انّ بلداً مثل لبنان، على ما يقول متابعون، بدلاً من ان يشكّل وباء «كورونا» فيه فرصة بل مناسبة للوحدة الوطنية ولالتئام كافة قوى الشعب وفئاته لتأمين حائط لدرء الخطر الذي لا يميّز ويطاول الجميع سواسية، نرى انّ هذا الوباء وبكل عبثية أصبح مادة جديدة وفريدة من عناصر الاشتباك الداخلي أضيفت الى سابقاتها، ولكنها الآن تتصدر وهج الاشتباك.
في هذه الاجواء المجبولة بالسلبية، بل بالمخاطر، تحت جنح وباء «كورونا» وتفشّيه العالمي، سجلت مرجعيات سياسية تطورين برزا في هذه المرحلة سيكونان لمصلحة لبنان في حال أحسن اقتناص الفرصة التي يتيحانها له:
ـ الاول، الانخفاض الكبير الحاصل في معدل الفائدة العالمية الذي يصل الى نسبة الصفر تقريباً، اذ في هذه الحال يمكن للبنان اعادة جدولة ديونه من فائدة 7 % الى 1 %.
ـ الثاني، إنخفاض سعر الطاقة عالمياً، وهذا من شأنه تمكين لبنان من خفض العجز في موازنته المتأتّي بسواده الاعظم من استيراد الطاقة عموماً ولقطاع الكهرباء خصوصاً. فالاسعار الآن هي كما كانت قبل 15 عاماً، واذا حصل إصلاح حقيقي في الكهرباء فإنّ لبنان سيستفيد بمقدار كبير جداً لخفض عجزه المالي.
ويبني سياسيون مطّلعون ومتابعون للتطورات الجارية على طلب ايران قرضاً من صندوق النقد الدولي بمقدار 5 مليارات من الدولارات لتمويل أعمال مكافحة فيروس «كورونا»، ليتوقعوا أن ينعكس هذا الامر في قابل الايام مرونة في موقف «حزب الله» من التعامل مع الصندوق في لبنان.
ويقول هؤلاء السياسيون انّ القنوات الديبلوماسية الغربية التي تتواصل مع «حزب الله» تلحّ عليه لتسهيل مهمة صندوق النقد الدولي لأنه يشكل في رأيها الوسيلة الوحيدة لإنقاذ لبنان. إذ انّ هذه القنوات، بما تمثّل من عواصم كبرى، تؤكد انّ الدولة اللبنانية وفي ظل الوضع السائد لبنانياً وعالمياً لن تحصل على اي مساعات من خارج الصندوق.
ولا يستبعد السياسيون إيّاهم، وبعضهم مُطّلع على الموقف الاميركي والغربي عموماً مما يجري في لبنان، ان تكون هناك حلحلة قريبة في موقف «الحزب» إزاء مطالب صندوق النقد الدولي ومقترحاته، بحيث يبدي مرونة ومقبولية، خصوصاً اذا تبيّن له انّ هذه المطالب والمقترحات، او حتى النصائح، لا تمسّ حرية القرار الوطني اللبناني ولا تقيّد الدولة بأي شروط او قيود تنال من سيادتها، علماً انّ «الحزب» الذي كان قد لمّح أخيراً على لسان بعض مسؤوليه الى احتمال قبوله بأي إجراءات للصندوق اذا تبيّن له انها لا تمسّ السيادة اللبنانية ولا تقيّدها، ربما يكون قد مهّد بذلك لإبداء المرونة المنتظرة منه حيال الصندوق، وأنه ربما يكون ايضاً قد توصّل بنتيجة الاتصالات الديبلوماسية التي جرت معه (تحديداً من المانيا وايطاليا وفرنسا التي ما تزال على علاقة مع جناحه السياسي) الى اقتناع بأنّ لبنان لن يتمكن من الحصول على مساعدات الّا عبر الصندوق، وذلك بعدما كان مقتنعاً الى الايام الأخيرة انّ في إمكان لبنان الحصول على مساعدات من خارج الصندوق، وتحديداً من مجموعة «سيدر» ومن دول عربية (قطر وغيرها)، لكن تبيّن أخيراً انّ أبواب هذه المساعدات قد أُقفلت، خصوصاً بعد استفحال أزمة «كورونا» وما تلاها من انهيار في الاسواق المالية العالمية في موازاة انهيار في اسواق النفط والغاز، الأمر الذي جعل الرهان على اي مساعدات عالمية او خليجية عربية بلا قيمة. كذلك جعل الدول المعنية تهتمّ بنفسها ولا تعير لبنان اهتماماً، خصوصاً انها بدأت تنظر إليه على انه «دولة فاشلة».
لذلك، وعلى وقع مكافحة فيروس كورونا لبنانياً واقليمياً ودولياً، يتوقع ان تبدأ بشائر حلحلة على جبهة المعالجات المالية والاقتصادية بالظهور قريباً، خصوصاً بعد المرونة التي يتوقع من «حزب الله» أن يُبديها حيال التعامل مع صندوق النقد الدولي، وذلك بعدما انتهت الاتصالات الديبلوماسية بينه وبين بعض العواصم الاوروبية خلال الفترة التي سمّاها المشتغلون على خط معالجة الازمة بأنها «فترة الوقت الضائع، ليتبيّن انّ هذا الوقت لم يكن وقتاً ضائعاً، وإنما كان لاستكشاف أعماق المواقف، والتأكّد من انّ مصير لبنان لن يكون تحت رحمة الصندوق ومن يقف خلفه.