دأبت الكتلة النيابية لـ”حزب الله” في الاونة الاخيرة على نفي مسؤولية الحزب عن تعطيل الانتخابات الرئاسية والسعي الى رمي هذه المسؤولية على خصومها السياسيين على رغم استمرار رفع الحزب لواء دعم العماد ميشال عون للرئاسة وعدم ابداء أي استعداد للتوافق على اسم آخر، ما يعتبر حتى الآن في آراء مراقبين ديبلوماسيين دليل عدم القدرة او الرغبة في ابداء اي حلحلة ازاء اجراء الانتخابات. وهذا النأي للحزب بنفسه عن المسؤولية في هذا الموضوع يترجم تزايد وطأة انعكاسات ما يحصل في الداخل من تطورات على الحزب فيما ينخرط في حرب جديدة في القلمون السورية بكل تداعياتها المحتملة وخوضه قبل بعض الوقت حملة شعواء ضد المملكة العربية السعودية لقيادتها عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن. فالأجندة الخارجية للحزب التي تناقضت وتتناقض اقله مع مصلحة لبنان فيما هي تتصدر اهتماماته لاعتبارات مختلفة قد تكون وجيهة ام لا ، نظرا الى الاختلافات الكبيرة والانقسام العمودي بين اللبنانيين. هذه الاجندة باتت تضغط عليه امام جمهوره وتثقل عليه. ولذلك من غير المرجح بالنسبة الى المعطيات المتوافرة لدى مصادر وزارية ان يجاري الحزب حليفه التيار العوني في اي اجراء يمكن ان يعطل الحكومة او يشلها احتجاجا على عدم اجراء تعيينات امنية في الآونة الراهنة تحسم موقع قيادة الجيش لصهر العماد عون العميد شامل روكز قبل اشهر من انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي. إذ ان الحزب لن يرغب في ان يزيد الى رصيده تعطيل الحكومة لمبررات تتصل بتعيينات امنية تحتل الاولوية لدى حليفه في موازاة تعطيل الانتخابات الرئاسية نتيجة التمسك بترشيح عون ايضا، ذلك لا سيما ان هناك تحولات كبيرة على المحك في المنطقة ولا تسمح بالمخاطرة بالوضع اللبناني راهنا. ولا يرى احد مصلحة للحزب في ان يتحمل مسؤولية مماثلة في هذه المرحلة الدقيقة جدا بالنسبة اليه، وذلك بالتزامن مع انتقادات علنية يوجهها لتعطيل عمل المجلس النيابي بما يطاول حليفه المسيحي ضمنا. ما يعني انه لا يستوي تعطيل الحكومة في مقابل المطالبة بعدم تعطيل مجلس النواب.
لا بل يمكن القول ان ثمة تحولات باتت تجاهر بها اوساط ديبلوماسية وهي مثار تداول غير علني تتصل بواقع ان مرور سنة كاملة على الشغور الرئاسي لعبت سلبا في خانة ترشح العماد عون بحيث انهكت صورته، اذا صح التعبير، خصوصا مع التهديد الذي لوّح به اخيرا ازاء اتخاذ اجراءات في الحكومة ربطا بمطلب شخصي، وهو رغبته في تعيين صهره قائدا للجيش ولو ان لا غبارعلى كفاية العميد روكز ومؤهلاته. فالمصالح الشخصية او الخاصة التي تحتل واجهة مطالب التيار جنبا الى جنب مع رفع لواء المطالب المسيحية في مقابل شعارات طائفية اخرى على الارجح انما تحت عنوان المطالبة بحقوق المسيحيين، اثرت على فرصه وحظوظه ازاء المراقبين الديبلوماسيين خصوصا في زمن اقليمي خطير جدا بالنسبة الى لبنان كما بالنسبة الى وضع المسيحيين في المنطقة. ذلك علما ان العتب لا بل المآخذ تطاول كل الاداء المسيحي وليس اداء فريق من دون الآخر في الازمة المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي. اذ يبدو هذا الاداء مخيبا للامال لكل المراقبين الديبلوماسيين بشقيه السياسي والشعبي او الاجتماعي اولا لغياب الرغبة في تحمل المسؤولية المباشرة من اجل انجاز الانتخابات وثانيا لغياب اي رد فعل ضاغط ازاء التساهل في تغييب الانتخابات الرئاسية وتحميل الافرقاء المعنيين المسؤولية بما يدفعهم الى حسم هذا الموضوع، كما لو ان المرحلة الخطيرة من الزلازل والبراكين المتفجرة في المنطقة تسمح بهذا الترف من الممارسة السياسية. كما ثمة استغراب كبير للغرق في مسائل سياسية تبدو على اهميتها هامشية في ظل التحديات المطروحة على لبنان وموقع المسيحيين فيه. وفي اطار تسييل منطق مرور سنة كاملة على الشغور في موقع الرئاسة الاولى في السياسة المحلية ، فقد باتت امتدادا في الشغور الرئاسي وعاملا طبيعيا يحسب لترشح بفعل عامل العمر، علما ان كثرا يعتبرون انه كان كذلك اصلا لكن من دون ان يسلط عليه الضوء كما اصبح او سيصبح عليه الوضع بعد بعض الوقت.
لا بل ما يبدو لافتا اكثر في ضوء الوقائع اليومية بالنسبة الى هؤلاء هو التحرك الكثيف لوزير الخارجية جبران باسيل على نحو يوحي باعداد قاعدة التيار الوطني الحر وامتداداته الشعبية الى واقع جديد لن يتأخر في الظهور، ولعل اعداد باسيل نفسه لتسلم رئاسة التيار، من دون اهمال ملاحظة لجوئه الى حشد الدعم عبر كلام يستند الى منطق طائفي ايضا بات يترك اصداء سلبية كبيرة، ولو ادرج ذلك في اطار محاولة تحفيز المسيحيين على دعم التيار. لكن يخشى كثيرا من غياب الخطاب الوطني العام، خصوصا على ألسنة المسؤولين السياسيين المسيحيين وما يرتبه ذلك عليهم في هذا التوقيت. في أي حال فان ما يجري على صعيد التحولات المحتملة في التيار هو ما بات يستحق الرصد من جانب هؤلاء على قاعدة الاحتمالات التي يفتحها ان على صعيد مستقبل التيار نفسه ومصيره في حال آلت رئاسته او قيادته المباشرة الى شخص غير العماد عون، نظرا الى ان ما يتمتع به عون لا ينسحب على من يحيط به او على صعيد وضع الطائفة المسيحية في لبنان أيضاً.