مسؤول دولي معني بقضايا الشرق الأوسط قدم في جلسة خاصة في باريس تقويماً واقعياً لمسار الأوضاع في لبنان، فقال: “إن أوضاع هذا البلد أفضل نسبياً مما يتصوره اللبنانيون، آخذين في الاعتبار ان لبنان جزء من منطقة تعصف بها الإضطرابات وليس ممكناً عزله عما يشهده الإقليم من هزات وتحولات كبيرة. لبنان يواجه ظروفاً إقتصادية ومعيشية وأمنية وسياسية صعبة ويدفع أكثر من سواه ثمن الأزمة السورية والصراع الإقليمي – الدولي في المنطقة، وهي أمور تقلص دور الدولة ومؤسساتها وتمنع تطور البلد وتثير لدى أبنائه قلقاً مشروعاً على مستقبلهم. لكنه في المقابل يشهد إستقراراً نسبياً والحد الأدنى من التعايش السلمي بين الأفرقاء المتصارعين سياسياً وأوضاعه أفضل من أوضاع دول عربية أكبر منه وأقوى وتشهد حروباً داخلية. لبنان لن ينفجر من الداخل ولن يسقط في فخ الحرب الأهلية وليست ثمة معطيات دقيقة تشير الى ان أوضاعه الأمنية ستنهار كلياً في مستقبل منظور وتفلت من قدرة القيادات والأفرقاء على احتوائها وضبطها ومنع اتساع نطاقها، وهذا أمر إيجابي نسبياً مقارنة بما يجري في المنطقة”.
ورأى المسؤول الدولي أنه “لن تتكرر في لبنان تجربة سوريا التي كانت دولة مستقرة وقوية لكن النظام فشل في التعامل مع مطالب شعبه، فشهد البلد منذ انطلاق الثورة في آذار 2011 صراعاً داخلياً عميقاً بين شعب محتج وحكم متسلط تحول حرباً كارثية ونزاعاً إقليمياً – دولياً على أرضه. فالحكم في لبنان مختلف جذرياً عن الحكم في سوريا وطبيعة العلاقات بين أبنائه والسلطة مختلفة جذرياً أيضاً عن علاقات نظام الرئيس بشار الأسد مع شعبه. ولن يكرر لبنان تجربة العراق إذ ان عدم تطبيق إتفاق تقاسم السلطة بين مكونات شعبه في ظل حكم نوري المالكي حليف إيران أثار نقمة السنة والأكراد وسمح لتنظيم “داعش” باستغلال الوضع للسيطرة على مناطق واسعة وتفجير حرب أهلية تشارك فيها قوى إقليمية ودولية. أما في لبنان، فإن الأفرقاء فيه متمسكون بصيغة تقاسم السلطة التي حددها اتفاق الطائف وليسوا مستعدين للإقتتال من أجل صيغة أخرى على رغم تذمرهم من بعض بنود الطائف. ولن تتكرر في لبنان تجربة اليمن حيث حاول الحوثيون المرتبطون بإيران السيطرة بالقوة مع حلفائهم على البلد، ولكن تبين بسرعة ان النظام الإيراني أخطأ في حساباته وبالغ في تقدير إمكاناته وإمكانات حلفائه، ذلك ان السعودية شكلت تحالفاً عربياً – إقليمياً أطلق “عاصفة الحزم” التي واجهت بالقوة هذا المخطط وأسقطت مشروع سيطرة الحوثيين وحلفائهم على اليمن. وحصل هذا التحالف على دعم الشرعيتين العربية والدولية، إذ أيدته القمة العربية في شرم الشيخ ودعم أهدافه القرار 2216 الذي أصدره مجلس الأمن تحت الفصل السابع. ولن يكرر “حزب الله” خيار الحوثيين لأنه أكثر واقعية منهم وأكثر وعياً وإدراكاً لعواقب محاولة السيطرة بالقوة على لبنان لأن ذلك سيفجر البلد فيخسر الحزب ومعه جميع الأفرقاء. ولن يسقط لبنان في تجربة ليبيا إذ ان الأفرقاء في هذا البلد يخوضون صراعاً مسلحاً على السلطة وهي تجربة سبق للبنانيون ان عاشوها ودمرت بلدهم وانتهت رسمياً بتوقيع اتفاق الطائف”.
وشدد المسؤول الدولي على أربعة أمور يراها مهمة هي الآتية:
أولاً – يبدو، استناداً الى معلومات الأميركيين والفرنسيين، أن الأفرقاء اللبنانيين ليسوا راغبين في خوض “معركة التدمير الذاتي” مجدداً من أجل أية قضية من القضايا. وحده عامل خارجي مهم وضاغط يمكن أن يشعل نار الإقتتال الداخلي أو يجر لبنان الى مواجهة عسكرية مدمرة.
ثانياً – الجهات الإقليمية القادرة على تفجير الأوضاع ليست لها مصلحة في انهيار البلد لأن ذلك سيحول لبنان وسوريا ساحة حربية واحدة مشتركة، الأمر الذي قد يؤدي الى تدخلات عسكرية إقليمية أو أجنبية تقلب موازين القوى وتلحق الخسائر بهذه الجهات الإقليمية.
ثالثاً – اللاجئون السوريون في لبنان ليسوا مصدر خطر أمني جدي على البلد في هذه المرحلة، لكنهم قد يتحولون قنابل متفجرة ويلجأ قسم منهم الى استخدام السلاح في حال نشوب نزاع مسلح واسع النطاق بين اللبنانيين. وهذا الاحتمال يجعل أصحاب القدرة على تفجير الأوضاع يمتنعون عن استخدام السلاح في الصراع مع خصومهم السياسيين.
رابعاً – القوى العسكرية والأمنية الشرعية تملك القدرة والتصميم على منع الإرهابيين من تهديد لبنان واستقراره، لكن الإنتصار في المعركة على الإرهاب يتطلب بعض الوقت ويحتاج خصوصاً الى حرص القيادات اللبنانية على التلاحم الوطني والتضامن المتواصل والتعاون مع القوى والجهات المعتدلة في الداخل والخارج وعدم إستغلال هذه القضية لمحاولة إحداث شرخ أو فتنة بين مكونات الشعب اللبناني وتعريض السلم الأهلي للخطر”.