IMLebanon

«حزب الله» مع عون في الرئاسة والحكومة.. لا في البرلمان

إذا ما تمّ تحييد الأوراق الكثيرة التي سلّفها ميشال عون من خلال تحالفه مع «حزب الله» للسيد حسن نصرالله، يمكن بالمقابل سرد لائحة طويلة من «التمريرات» الوطنية من الضاحية باتجاه الرابية.

الوقوف «الكتف الى الكتف» مع «الجنرال» في الموضوع الرئاسي، بعد «نكسة» الدوحة 2008، ليس أولها، والتضامن معه حيال الأولويات الحكومية ليس آخرها. لكن ماذا عن «حرب» الميثاقية الدائرة في المقارّ الرئاسية؟

في الحكومة حرص رئيس مجلس النواب على تحصين «الميثاقية الشيعية». في كل المحطات التي شهدت تلويحاً بإمكانية انسحاب وزيريّ «التيار الوطني الحر» من الحكومة وتضامن وزيريّ «حزب الله» معهما، كان ردّ عين التينة واضحاً على ما اعتبر أنه قد لا يحصل أصلا. علي حسن خليل وغازي زعيتر «سيخيّمان» في السرايا وحضورهما لا نقاش فيه.

أما غياب «حزب الله» عن الجلسات بالتنسيق مع الرابية، فلن يعني بأي لحظة بأن بري قد يغيّر رأيه، خصوصاً أن تضامن الضاحية سيكون مؤقّتاً ومجرد رسالة رمزية.

في مجلس النواب الصورة مغايرة. بري و «حزب الله» على الموجة نفسها تماماً، لا بل إن الأخير يذهب بعيداً في دعوة حليفه المسيحي الأول الى الالتزام بموجبات المرحلة الملحّة. والأهمّ أن قرار الرئيس بري بالدعوة الى انعقاد الهيئة العامة حصل بالتنسيق المباشر مع «حزب الله» إضافة الى «المستقبل» ووليد جنبلاط.

لطالما تمسّك الرئيس نبيه بري بقشة الميثاقية على قاعدة «لا تجرّبوني. أنا لست من تلاميذ مدرسة تجاوُزها». استخدم منطق العصا في التهويل حتّى على من يفكّر في مناقشتها إبّان حكومة الرئيس السنيورة «الفاقدة الشرعية» وبعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتحوّلها الى حكومة تصريف اعمال، وحين حضرت التبريرات التي مهّدت للتمديد الثاني لمجلس النواب، فرفض انعقاد الجلسة من دون حضور مكوّن مسيحي أساسي فتجنّدت «القوات» للمهمّة.

وقبل جلسة التمديد، طبّق بري «الميثاقية بالمثل» يوم اعلن فريق «تيار المستقبل» مقاطعته الانتخابات النيابية. الديموقراطية (من خلال الانتخاب) هي أن يحكم الشعب بنفسه لا «أن يقتل نفسه بفتنة على الأبواب». ثم لاحقاً ساعد الفريق الآخر حين وقف الأفرقاء المسيحيون بوجه التشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية، فهادن. في كل هذه المحطات كان موقف «حزب الله» متماهياً تماماً مع «فيتوات» بري الميثاقية.

لكن اختبار رفض سعد الحريري خوض الانتخابات واستجابة بري، كان الأكثر إثارة للجدل. فقط لأن فريقاً، في الظاهر، لم يوافق على خوض غمار الانتخابات النيابية مجاهراً بمقاطعتها، حضرت كل موجبات الميثاقية المهدّدة.

كُثُر يومها أخذوا على الرئيس نبيه بري منحه الرئيس سعد الحريري «الفيتو الطائفي» على استحقاق بديهي يمكن أن يكسر من حدة الأزمة، فيما سيقوّي حجّة أي فريق سياسي آخر بالتمسّك بحقوقه الميثاقية، تماماً كما يفعل ميشال عون اليوم في الرئاسة وفي الحكومة وفي مجلس النواب. حالياً، يرفع «الجنرال» و «الحكيم» معاً الفيتو المسيحي.

المهمّ ان التمديد الثاني لمجلس النواب في تشرين الثاني 2014، قبل عام تماماً، الذي ثبّت دعائم الولاية الثانية «المجانية» لممثّلي الأمة، ترافق مع إعلان واضح للرئيس بري كان لا يزال صداه يتردّد حتى فترة غير قصيرة: الأولوية الآن لانتخاب رئيس الجمهورية وإقرار قانون الانتخابات النيابية!

ذكّر بمشروع قانون الانتخاب المختلط كقاعدة اساسية للانطلاق، فإذا حصل تفاهم في شأنه، تحصل المعجزة، وإذا تعذر التوافق عليه، تتمّ العودة الى مناقشة المشاريع الأخرى التي طُرحت منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، على ان تكون الوجهة الطبيعية الذهاب الى الهيئة العامة للتصويت.

لكن خريطة الطريق بقيت حبراً على ورق. مشاريع القوانين ظلّت أسيرة الجوارير، وضرب «الألزهايمر» في العروق، الى أن حان أوان المقايضة «إما مجلس النواب أو الخراب.. لكن من دون قانون الانتخاب، لأن التوافق لا يزال بضاعة مفقودة في الأسواق».

وبري، تحت ما يقول إنه ضغط الاستحقاقات المالية والوطنية، عدّل البوصلة اليوم. الميثاقية التي كانت لا تستقيم بغياب أي كتلة رئيسية وازنة صارت مؤمّنة وإن غاب «البعض»، ووصفة ناجحة لـ «صحّة» الوطن والمواطن!

«العونيون» و «القواتيون» ينشدون الترنيمة نفسها حتّى لو هوّل المهوّلون او اتهموا بالمزايدة. «حزب الله» من جهته، بعكس بري الذي يجاهر بموقفه علناً، يحاذر الدعسة الناقصة. يرفع أولوية التشريع من دون أن يوحي بأنه يصطفّ مع الأخصام على جبهة «جلسة تشريعية بأي ثمن»، خصوصاً إذا تصرّف رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» على أنه المستهدَف الأول بها عبر تجاوز «كلمته» في حتمية إقرار قانون الانتخاب بعد سلسلة تجاوزات سابقة بحقه.

الخط الأحمر الذي يحاذر الحزب الوصول اليه هو تحوّل الجلسة الى عنوان للصراع الطائفي واللعب على وتر «التحالفات الرباعية» التي تصوّر نصرالله خصماً لعون!

وبانتظار حلول موعد الجلستين، تتكثّف الاتصالات بين الضاحية والمعنيين بالمسألة، فيما يدرك «حزب الله» حجم الهوّة التي تتّسع أكثر فأكثر بين بري وعون.

وبالتأكيد، يشكّل خطاب «وادي الحجير» للسيد حسن نصرالله في الذكرى التاسعة لانتهاء حرب تموز 2006 خريطة عمل لثوابت العلاقة مع ميشال عون.

ففي مقابل تمسّك نصرالله يومها برفض كسر «الجنرال» أو عزله، واعتباره ممراً إلزامياً (كمرشّح او كناخب) لانتخابات الرئاسة، وربط إنتاجية الحكومة بكون عون أيضاً ممرّها الإلزامي، والتلويح للمرّة الأولى بإن «حزب الله» قد يلاقي حليفه الى الشارع ضمن «الخيارات المفتوحة»، فإن الأمين العام لـ «حزب الله» بدا واضحاً في دعوة القيادات المسيحية كافة الى ان تعيد النظر في موقفها من إعادة العمل في مجلس النواب من ضمن ما اعتبره يومها «فتح الأبواب للوصول الى حلّ للأزمات الاخرى».

يومها لم يربط نصرالله بين التشريع وحتمية إقرار قانون الانتخاب، حتى أنه لم يأت على ذكر الانتخابات النيابية. هذا التلازم، برأي العارفين، ليس على أجندة «حزب الله» لا سابقاً ولا الآن، وإن كان من الداعين «الديبلوماسيين» الدائمين لإنجاز الاستحقاقات الدستورية. للدقة، هو يتلاقى في موقفه مع القوى السياسية الاخرى كافة التي ترى ان طرف الخيط يبدأ بالانتخابات الرئاسية، مع فارق دعمه اللامحدود لعون في هذه المسألة.

وفي المهلة الفاصلة عن توجّه النواب الى ساحة النجمة، لا يرى «حزب الله» نفسه مستعجلاً لقول أكثر مما قيل، فيما «الشغل» الجاد يحصل عبر الاتصالات الداخلية. يؤيّد تشريع الضرورة مع تأكيده بأن لا شيء يجب أن يوقف مسار مجلس النواب في التشريع العادي وتسيير أمور الدولة والمواطنين وبتّ الالتزامات المالية الداهمة، خصوصاً مع ارتفاع المتاريس مجدداً أمام انعقاد جلسات الحكومة.

لكن لا جواب لدى الحزب نفسه عن موقفه في حال فشلت الوساطات وقاطعت المكوّنات المسيحية الثلاثة جلسة الخميس والجمعة. هل يحضر او يقاطع جلسة مكتملة النصاب؟ العارفون يقولون «السؤال هو: هل تحصل جلسة أو لا…؟».