المرجع القانوني والنائب السابق الصديق حسن الرفاعي لم يشأ أن يغير عادته. فهو يتصل هاتفياً بي عندما يقرأ “موقفاً” يعجبه أو يهمّه قانونياً ودستورياً. وهذا أمر رحّبتُ به دائماً لأنه مطّلع سياسياً وقانونياً. أمس “صبّحني” باتصال وافق فيه على الهدف من “الموقف” الصادر وهو إظهار الدور الواسع للخارج العربي والاقليمي والدولي في الاستحقاقات الوطنية وأبرزها انتخابات رئاسة الجمهورية. لكنه شدّد على أن في انتخاب الراحل سليمان فرنجيه رئيساً عام 1970 عوامل محلية مهمة وربما طاغية على العامل الاقليمي – الدولي الذي ذكرتُه. وذكر لي اسمَي نائبين، واحد مسلم وآخر مسيحي ماروني، كان يُفترض وفقاً لـ”البوانتاجات” ولمواقف الكتل النيابية أن ينتخبا فرنجيه. لكن قبل موعد الانتخابات بوقت غير طويل عَلِم أن مُديري حملة منافسه، أي حاكم مصرف لبنان (الراحل) الياس سركيس، أقنعوهما بالتصويت له. وأدرك أن ذلك سيجعله رئيساً. فأجرى الاتصالات اللازمة، وأخرج الأول من “التزامه” ومن الاغراءات التي قُدِّمت إليه، ثم اتصل برئيس الكتلة النيابية الحزبية للثاني فبادر إلى تعطيل “التزامه” بسركيس وذلك بإبطال “التهديدات” بكشفه أمام القضاء.
طبعاً أنا لا أشكّك في رواية الصديق الرفاعي. لكنني أُعلّق عليها بملاحظتين، الأولى هي أن فوز سركيس بالرئاسة كان حتمياً لو لم يقسم الراحل كمال جنبلاط نوابه بينه وبين فرنجيه على رغم “استعادة” النائبين المشار إليهما أعلاه. والثانية هي أن هذا النوع من “العمليات” في أثناء الانتخابات الرئاسية كان يحصل دائماً في لبنان. لكنه لم يصل يوماً إلى درجة تعطيل “انتخاب” الخارج لرئيس الجمهورية فيه. وما حصل يوم انتخاب الرئيس الشيخ بشير الجميل من مناورات وعمليات لتأمين نصاب جلسة الانتخاب ثم الانتخاب دليل على ذلك. وقد حصل مثله في استحقاقات رئاسية أخرى. في أي حال، ليست ملاحظة الصديق الرفاعي موضوع “الموقف” اليوم، فموضوعها هو “المؤتمر التأسيسي” الذي يتَّهم أطراف في فريق 14 آذار فريقَ 8 آذار وحلفاءَ له بالسعي إلى عقده، باعتبار أنه الجسم الوحيد القادر على إخراج البلاد من أوضاعها المأسوية، وتخليصها من الأخطار الداهمة على الدولة والكيان والجغرافيا والطوائف والمذاهب والعشائر والأحزاب والزعامات وحصصها في “جنة الحكم” أو كعكته. والخطوة الأولى هي إطالة الشغور في رئاسة الجمهورية، بل بذل كل الجهود الممكنة من أجل عدم انتخاب رئيس للدولة. والخطوة الثانية هي استمرار عجز مجلس النواب أو فشله في انتخاب رئيس وفي وضع قانون انتخاب وفي مراقبة أعمال الحكومة وفي التشريع عموماً. ومن شأن ذلك جعله مشلولاً على رغم حيوية رئيسه نبيه بري ومحاولاته المستميتة لإبقاء شيء من الحياة والنشاط فيه. والخطوة الثالثة هي انتقال النار السورية إلى لبنان، سواء دفعة واحدة أو بالتقسيط، باعتبار أن الحزب في سوريا كما المنطقة يرجح كثيرون من العارفين أن تستمر سنوات، وباعتبار أن مناعة لبنان صارت شبه معدومة جرّاء انقسامات شعوبه ورهاناتها المتنوعة والمتناقضة على الخارج. ومن شأن الخطوات الثلاث وضع اللبنانيين كلهم أمام اقتناع بأن صيغة الطائف انتهت من دون أن تُعطى فرصة تطبيق حقيقية، وأمام خيار وحيد هو “المؤتمر التأسيسي” للبحث في “لبنان الجديد”. علماً أن ذلك بدوره رهن بالتطوّرات في سوريا بل في المنطقة كلها. وقد ساعد كلامٌ للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطاب له قبل أشهر قليلة عن “المؤتمر التأسيسي” وتحبيذ حليفه العماد ميشال عون له، على اعطاء فريق 14 آذار حجة لاتهام 8 آذار بأن “التأسيسي” هو هدفه ومشروعه.
هل هذا الاتهام صحيح؟
يجيب قريبون جداً من “حزب الله” أن طرح نصر الله للتأسيسي كان نوعاً من الاستكشاف والمباسطة في آن، ولم يكن معبِّراً عن التزام حزبي وسياسي نهائي. وعندما رأى ردود الفعل السلبية عليه تخلى عنه. لكنهم يلفتون إلى أن ما دفعه إلى المباسطة اعتقاده أنه بواسطتها كان يتجاوب مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي كان طرح “العقد الاجتماعي” الجديد أكثر من مرة سابقاً. فضلاً عن أن الرئيس أمين الجميل يلوّح بالمؤتمر التأسيسي احياناً في محاولة لـ”مناغشة” “الحزب”. في أي حال، ينهي هؤلاء، يبقى “حزب الله” مع اتفاق الطائف، لكنه ومع غالبية اللبنانيين يعرف أنه لم يطبّق، وأن فيه ثغرات، وأن الضرورة، بعد 25 سنة على إقراره وعدم تطبيقه نصاً وروحاً، تقضي بإعادة درسه لتجديد اعتماده بعد سدِّ ثُغره. وهذه قد تكون مهمة المؤتمر سواء سمّي تأسيسياً أو أُعطي اسماً آخر.