العلاقة بين حزب الله وقاعدته الشعبية لا تُقارن مع أيّ من التنظيمات السياسية الأخرى. القصّة أبعد من تبعيّة سياسية أو طائفية أو مناطقية. هو «إيمان» بعقيدة، وانتماء إلى قضية، المناضلون في سبيلها مُستعدون لتقديم الغالي. فضلاً عن «القوّة» التي يتمتع بها حزب الله، ووجوده «شريكاً» في قلب محور يُحقق تقدّماً منذ فترة، ما يُعطي شعوراً بالثقة والاطمئنان إلى مناصريه.
قياس شعبيّة حزب الله، والتزام قاعدته بخياراته، دائماً ما كانت تشغل بال أعدائه، ولا سيّما في فترات الحروب التي يُشارك فيها الحزب، إن كان ضدّ العدّو الإسرائيلي أو داخل الأراضي السورية. النتيجة هي نفسها: شعبيّة المقاومة لا تتأثر. بل على العكس، تشتد الروابط بين الطرفين خلال الظروف الصعبة. حتى زيادة الضغوط على حزب الله، وحصاره اقتصادياً، لم تدفع «البيئة الحاضنة» للمقاومة إلى التشبه بيهوذا الاسخريوطي. على الرغم من أنّ أحد أهداف الضغوط، هو مُراهنة الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما على أن يُحمّل الجمهور حزب الله مسؤولية «تجويعه»، ويبتعد عن قيادته، فتبدأ عمليّة انهيار وانتهاء «حالة» المقاومة.
التفاف الجمهور حول المقاومة لا يعني أنّه لا يرفع صوته مُطالباً بتأمين حاجاته اليومية. «نحن معكم. مُستعدون لتقديم كلّ ما تريدون لأننا نؤمن بهذا المشروع. ولكن ماذا عن الماء، والكهرباء، و… ما الحلّ لهذه القضايا؟». هذه صرخة جزء كبير من الناس يُدركها مسؤولون في حزب الله، وقد بدأوا بتناقلها. خلال الندوات السياسية، والتواصل اليومي مع القاعدة، يسمع المسؤولون من الرأي العام أنّه «مُستعدّ لتحمّل كل شيء. ولكن أنتم (حزب الله) من واجبكم تحسين أوضاعنا الاقتصادية»، علماً بأنّ حقوق أي مواطن، في الكهرباء والماء والضمان والبنى التحتية وغيره، مُفترض أن تكون من مسؤوليات الدولة دون منّة من أحد. ولكن يُصبح اللجوء إلى «دويلة» حزب الله لدى هذا الجمهور ضرورياً، طالما أنّ الدولة اللبنانية تتعامل مع «بيئة» المقاومة كما لو أنّها «وحدة» مُنفصلة عن الكيان اللبناني. جُزء من ذلك مُرتبط بتقصير الدولة على مستوى الوطن ككلّ. والجزء الثاني هدفه إحراج قيادة حارة حريك أمام مناصريها، ودفع هؤلاء إلى رفع الصوت اعتراضاً على غياب الخدمات.
الحروب والحسابات الإقليمية الكبيرة تدفع بالجمهور إلى غضّ النظر عن حاجاته اليومية. فيُصبح التفاف البيئة الحاضنة حول حزب الله غير خاضع لأي «مُحاسبة» في ما خصّ المسائل الأخرى. يُنقل عن مسؤولين في «الحزب» قولهم إنّه بعد تحرير الجرود اللبنانية والسورية المتاخمة للحدود من الجماعات الإرهابية، وتراجع الخطر الأمني، «بات هناك نوع من الفراغ السياسي. تعبئة هذا الفراغ بصورة طبيعية تكون في البحث في تعزيز الواقعين الاقتصادي والاجتماعي». فحماية الأمن الداخلي لا تقلّ أهمية عن الأمن الخارجي. والمواجهة لن تكون سهلة، في ظلّ «استمرار محاولات إسقاط بيئة المقاومة، أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، من خلال دفعها نحو شفير الهاوية وإيصالها إلى مستوى التذمر من نقص الخدمات. وخصوم الحزب وأعداؤه يحاولون الربط بين موقف حزب الله وبيئته، وبين النقص في الخدمات العامة». لكن «تأمين الكهرباء، مثلاً، وخدمة كل اللبنانيين، ما علاقته بولاية الفقيه التي يهوّلون بها؟ أو بالحصار الاقتصادي العالمي على حزب الله؟».
لا خطر من تبدّل مزاج البيئة الحاضنة لحزب الله. فأخيراً، وخلافاً لما قيل عن أنّ سقوط الشباب في سوريا دفع أهاليهم إلى الاعتراض، «كلّما كانت تنتشر المعلومات عن إنشاء إمارة تربط طرابلس بالقلمون السوري، وتعلو التهديدات، كان الناس يشدون رباطهم مع المقاومة أكثر فأكثر». إلا أنّ ذلك لا يُلغي واجب «أن نُلاقيهم. وإذا لم نُحسّن أوضاعهم، لا نكون نعمل بشكل صحيح». البحث في هذه القضايا لا يزال في بدايته داخل الحزب، إلا أنّ «المناخ أصبح مؤاتياً أكثر من ذي قبل للاقتناع بضرورة تأمين مقومات الاستمرار حتّى يتمكن الناس من إكمال المسيرة». فالأهل، والمؤيدون، والمقاومون، «الذين صبروا طيلة هذه المدة، إذا لم ينالوا حقوقهم، نكون قد فشلنا. هذه البيئة متجانسة مع حزب الله، ولا يجب أن تُكافأ بالنصر فقط».