برنامج حزب الله الانتخابي.. خطوة لانتزاع تمثيل طائفته في «معادلة السلطة»!
مصارحة من نوع جديد تسأل عن مسؤولية «الحزب» في ضرب هيبة الدولة وتحويلها إلى دولة فاشلة
فائض قوّة جديد لتوفير شبكة أمان تحمي «الحزب» حين يأتي أوان انتهاء فائض قوّة السلاح
يحتاج البرنامج الانتخابي لـ «حزب الله» الذي أعلنه, أمس الأول، أمينه العام السيد حسن نصرالله، إلى قراءة متأنية، ذلك أنها المرّة الأولى التي يطرح فيها الحزب برنامجاً انتخابياً يُقارب فيه الشأن الداخلي بشكل تفصيلي وموسّع، ويتطرّق إلى كيفية إدارة الدولة. في الشكل، تولى نصرالله إعلان البرنامج، وأوكل لنفسه مهمة متابعة ملف معقد وشائك يشكل عنوان التحدّي الأكبر للبنان، ما يعني أنه وضع ما يملكه من مكامن قوّة أمام الاختبار – الامتحان. ولعل السؤال الأبرز الذي يمكن طرحه بداية: ما هي الأسباب التي تدفع بنصرالله إلى تولي المواجهة بالمباشر وبشخصه في ملف الفساد ومكافحته؟! وهل ما تضمنه البرنامج الانتخابي يُشكّل مرحلة جديدة لـ «الحزب»، حيث يتحوّل فيها إلى لاعب سياسي في قلب «المعادلة الدولتية» حين يحين أوان انتهاء مرحلة «فائض القوة بالسلاح؟».
لا شك أن نصرالله يعتبر أن هذا القانون النسبي هو إنجاز لـ «حزب الله»، وهو لم يغفل تلك الإشارة حين لفت إلى «أننا قاتلنا لهذا القانون لإعطاء فرصة أفضل لحلفائنا وأصدقائنا للوصول إلى المجلس النيابي». هو القانون الذي تنطبق عليه معادلة: «ما لنا لنا… وما لكم لنا ولكم». وبالتالي، ثمة رهان على ما يمكن أن تفرزه تلك الانتخابات من تعزيز قانوني لموقع «حزب الله» وحلفائه الصافين وأصدقائه في السلطة، الأمر الذي يتطلب قدراً من الجهوزية للمرحلة المقبلة!
اللافت في كلام نصرالله إشارته المتكررة إلى دقة الوضع المالي للدولة، والمخاوف من سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، بحيث يرسم «خارطة طريق» لكيفية وجوب إدارة المال العام والإدارة والتوظيفات المبنية على الكفاءة والبعيدة عن الزبائنية، وشفافية المناقصات ورفض الصفقات بالتراضي، وضرورة التخطيط العام والإنماء في مختلف المجالات، ما يجعل هذا الطرح أقرب إلى «المدينة الفاضلة» لأفلاطون أو الفارابي أو ابن خلدون. «نوستالجيا» تُعيد طرح السؤال: لماذا الآن؟ وما هي المبررات والأسباب التي تدفع بنصرالله إلى مقدمة الصورة؟
الاعتبارات عديدة، منها أن ثمة حاجة وضرورة لنقلة نوعية وربما لاستحداث دور جديد، فجاء الاستحقاق النيابي فرصة مؤاتية في التوقيت.
على أن القراءات تتعدّد باختلاف الزاوية التي يتم النظر منها، تبدأ بالواقع الشيعي ولا تنتهي عند الخطوات التحضيرية لملاقاة نتائج إعادة ترتيب المنطقة.
تذهب إحدى القراءات، إلى أن «حزب الله» بات يُدرك واقع بيئته الحاضنة الآتي من فقر وتهميش، ويُدرك تالياً أنه ليس بمقدوره أن يحتوي تلك البيئة بأعبائها الضخمة، ولا هو قادر على الاستمرار في توفير غطاء لها خارج إطار مفهوم الدولة. باتت هذه البيئة تأكل نفسها اقتصادياً واجتماعياً وحياتياً وأخلاقياً. في السابق، فرضت أجندة الحزب ترتيبات داخل «البيت الشيعي»، حين تفرّغ «حزب الله» لبناء ترسانته العسكرية والإمساك بقرار السلم والحرب من بوابة مقاومة الاحتلال، وترك لـ «حركة أمل» وزعيمها تولي أمور الدولة بكل شجونها ومغرياتها وغنائمها. غير أن الواقع لم يعد ممكناً استمراره إلى أمد بعيد. ويتّجه البعض إلى القول «إن الانتخابات المقبلة هي فترة انتقالية سيعمل «الحزب» من خلالها على تحضير نفسه وكوادره الحزبية للانخراط أكثر في الدولة، ليكون بعدها حاضراً لتولي زمام الأمور بالمباشر».
على أن قراءات أخرى تربط هذا التحوّل في مقاربة «الحزب» لعناوين داخلية بعوامل إضافية تتعلق بما يمكن أن تؤول إليه التطورات في المنطقة، وهي تطورات يعرف «الحزب»، من خلالها، أن دوره الذي رسمه لنفسه في الإقليم كذراع من أذرع إيران يتعرّض لمحاصرة حقيقية، فيما المطلوب منه العودة إلى داخل حدوده كقوة سياسية تمثل جزءاً كبيراً من النسيج الشيعي اللبناني، ما يعني أن عليه التحضر لهذا الدور، من دون أوهام بأنه أصبح قريباً. لكن «حزب الله» الذي يقبض اليوم على القرار اللبناني بفعل فائض قوة سلاحه يحتاج إلى وسائل جديدة تمكنه مستقبلاً من أن يكون صاحب الشأن الأكبر والكلمة الفصل في إدارة الشأن العام وكل تفصيل من شؤون الدولة بفائض القوة العددية، تحت عناوين برّاقة تدخل تحت مظلة «مكافحة الفساد وحماية الدولة».
هو فائض قوّة جديد يريد الوصول إليه بحيث يُوفّر له ليس فقط شبكة أمان داخلية يحتاجها اليوم، إنما «موقعاً أولاً» في وجه مَن انخرطوا في لعبة المحاصصة مِن حلفاءٍ وخصوم، ومَن يحكمون الدولة اليوم بفعل التوافقات على توزيع الصفقات.
لكن هذا الهدف يحمل في طياته الكثير من التحدّيات والمخاطر للحزب. فهو أولاً، عليه أن يُواجه بيئته الحاضنة، التي عمل «الحزب» نفسه على تحريضها ضد الدولة القائمة، والتي ليست بـ «الدولة العادلة والقوية»، كما أنها بيئة نشأت، عبر أجيال، على فكرة التمرّد على الدولة والخروج عنها، وأجازت لنفسها أن تكون فوق القانون، وأن تعمد حتى إلى تطبيق قوانين خاصة بها. هذه البيئة تحتاج إلى مصالحتها مع مفهوم الدولة وخلق ثقافة الدولة لديها، إذا كان «الحزب» يريد أن يتكئ عليها إيجاباً في قوته المقبلة. وثانياً، عليه أن يواجه الحليف في «البيت الشيعي» الذي اعتاد أن «يسبح» في بحر الدولة وخيراتها. وهو ثالثاً عليه أن يواجه حليفه المسيحي الذي فتح له الباب على مصراعيه تحت مقولة «استعادة حقوق المسيحيين» ليكون الجزء الوازن في التركيبة القائمة، مقابل تأمين الغطاء السياسي الداخلي الذي يحتاجه في مشروعه الاستراتيجي الذي يتعدى لبنان. ورابعاً، عليه أن يواجه خصومه في السياسة، ولعل هذا أهون التحدّيات عليه.
إلا أنه غاب عن بال نصرالله أن يصارح جمهوره أولاً، واللبنانيين ثانياً، أنه وحزبه ساعدا في دفع لبنان إلى هذا الدرك، حيث أن وجود دويلة داخل الدولة لا يمكن إلا أن يؤول إلى الدولة الفاشلة، وحيث أن تأليب شارعه على الدولة آل إلى هذا التجرّؤ على المؤسسات وضرب هيبتها على كل الصعد، وآل منطق احتكار الإدارة لمحازبين بعينهم إلى هذا الكم من الاهتراء والفساد، وأن الترتيبات الخاصة التي منحتها الحكومات السابقة للحزب «لـضرورات المقاومة» أنعكست سلباً على الاقتصاد اللبناني بفعل عمليات التهريب عبر المرافق الحدودية، وأمّنت لمحسوبين على «الحزب» أو مستفيدين منه موارد مالية على حساب خزينة الدولة والاقتصاد، وأن وضع «حزب الله» يده على البلاد أدخل لبنان في حصار سياسي واقتصادي وأدى إلى وقف الاستثمارات الخارجية وإلى تدهور السياحة، وإلى حظر الدول الخليجية مجيء مواطنيها إلى لبنان، وإلى خسارة لبنان فرصة نادرة في تحوّله إلى مركز استقطاب للمنطقة في ظل الحريق الذي أصاب أكثر من دولة.
المسؤولية لا يتحمّلها «حزب الله» لوحده، فالكل مسؤول بقدر معيّن، لكنه اليوم في مقاربته الشأن الداخلي، مع وعد إصلاحي بتعديل جديد على قانون الانتخاب على أساس لبنان دائرة واحدة وتخفيض سن الاقتراع إلى الثامنة عشرة، وتذكير رئيس الجمهورية بما سبق أن طرحه «الحزب» خلال «طاولة الحوار» حول الاستراتيجية الدفاعية، ومع تولي نصرالله شخصياً الإشراف على هيئة مكافحة الفساد، يصبح من الضروري بمكان سبر أغوار الفصل الجديد من مشروع «حزب الله» للمرحلة المقبلة التي تبدأ، برأيه، يوم السابع من أيار 2018.