التذكير بسطوة سلاح الحزب على الواقع السياسي واستباق عملية تشكّيل الحكومة
تظاهرات الدراجات النارية لحزب الله رسائل سياسية تحمل شروطاً مبطّنة
تنظيم مثل هذه التظاهرات وتسييرها في شوارع بيروت اعتادها أبناء بيروت في كل حدث أو توطئة لاحداث معينة تدبر للعاصمة تحت شعارات وحجج معينة
لم يكن تحرك تظاهرات الدراجات النارية لحزب الله والمطعمة باعلام قليلة لحركة «امل» في شوارع بيروت وساحاتها للاحتفال بفوز بعض مرشحي لائحة الطرفين بانتخابات العاصمة عفوياً تحت هذا العنوان، كما يتراءى للبعض، لأن من يريد التعبير عن فرحته في مثل هذه المناسبات، يلتزم حدودا معينة في التعاطي من الآخرين، ولا يجنح لاستهداف رموز ومقامات وشعارات خصومه السياسيين أو يتعرّض لكرامات مناصريهم وجمهورهم.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في تنظيم مثل هذه التظاهرات وتسييرها في شوارع بيروت أو مناطق أخرى وقد اعتادها أبناء بيروت في كل حدث أو توطئة لاحداث معينة تدبر للعاصمة تحت شعارات وحجج معينة، وهي جاهزة وغّب الطلب لدى حزب الله اما لتوصيل رسالة معينة أو للتحضير لبلبلة أمنية لتحقيق أهداف معينة أو لشل الدولة وتعطيل مفاصلها، كما حدث أكثر من مرّة في السنوات العشر الماضية، وكانت أداة لإرسال الرسائل الأمنية باستمرار أو لاحداث البلبلة وإثارة الفتنة داخل الاحياء والأزمة البيروتية وكادت أكثر من مرّة ان تتسبب باشعال الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة.
وللتذكير، في العام 2009 من شهر أيّار وبعد الانتهاء من اجراء الانتخابات النيابية مباشرة، اندلعت اشتباكات مسلحة في منطقة عائشة بكار عكرت صفو فوز لوائح «المستقبل» في كل لبنان، وشكلت رسالة مكشوفة من الحزب تحمل في طياتها رزمة مطالبه السياسية والأمنية وغيرها.
وهكذا دواليك ما حصل في تظاهرة القمصان السود لحزب الله بعد ما تمّ ا لاتفاق بين النظامين الإيراني والسوري للانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، والاتيان بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الموالية للحزب والنظام السوري على حدٍ سواء.
واليوم، لم تكد تغرب شمس يوم الانتخابات النيابية الاحد الماضي وقبلها مساءً، حتى تحرّكت دراجات الفتنة التي تحمل راية الحزب الصفراء، لتعبث بكل ما يصل إليها من شعارات واعلام وصور خصومها السياسيين، حتى وصل بها الأمر إلى التطاول على تمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وظلت الأمور على حالها لثلاثة أيام متتالية ولم تحرك قياداتها ساكناً، ما يعني انها متواطئة معها لإكمال مهمتها دون حسيب أو رقيب أو حتى تحرك خجول للقوى الأمنية والعسكرية لتضع حداً لهذه التجاوزات والاستفزازات التي كادت ان تفجر احداثاً لا يمكن لأحد ان يتكهن بكيفية تطورها وانتشارها، لولا التحرّك السياسي والأمني لوضع حدٍ لها بسرعة.
وبالطبع، لا يمكن تحييد تظاهرات الدراجات النارية للحزب وبأعدادها الكبيرة، تجوب احياء العاصمة وتستفز المواطنين شرقاً وغرباً وكأنها عفوية، بل تحمل رزمة الرسائل السياسية المعروفة للحزب، مهما غطتها الشعارات المخادعة وبيانات الاستنكار الملحقة ودعوات التملص والتهدئة المزيفة.
الرسالة واضحة عشية انتخاب المجلس النيابي الجديد والاستعدادات لتأليف الحكومة الجديدة والمرجحة برئاسة الرئيس سعد الحريري الذي يحوز على أكبر كتلة نيابية لتياره واعلى نسبة تأييد شعبي لمرجعية سنية من الشمال والبقاع والعاصمة والجنوب على حدّ سواء، وللتذكير بهيبة ومفاعيل سلاح «حزب الله» الموجود على الدوام ليكون في الحسابات السياسية لرئيس الحكومة واي مسؤول سياسي آخر، والأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة المهمة والحساسة في كل ما يمكن ان يطرح بالداخل والخارج على حدٍ سواء ولا سيما مع قرب الحديث عن طرح موضوع هذا السلاح من خلال الاستراتيجية الدفاعية، أو غيرها في حين تبقى المسائل والمطالب الأخرى، بالنسبة لتشكيل الحكومة وتركيبها أقل اهمية وقابلة للبحث والمناقشة.
وهكذا، تكون الرسالة قد وصلت عبر تظاهرات الدراجات المسيّرة للحزب عن سابق قصد وتصميم، ليس إلى رئيس الحكومة المرتقب تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة فقط بل إلى كل المسؤولين الآخرين، ومفادها انه لم يحن بعد موعد فتح ملف الاستراتيجية الدفاعية بعد كما تردّد عن لسان أكثر من مسؤول سياسي بارز ويجب أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار في أي طرح مقبل من الداخل أو الخارج لمقاربة مسألة سلاح «حزب الله».