كيف يمكن لنا أن نقرأ كل هذا «التلكؤ» والحرج الذي يعيشه رموز الإسلام السياسي ليس الغنوشي آخرهم من تصنيف دول الخليج لـ«حزب الله» منظمة إرهابية خارجة على دولة القانون٬ ولديها سجل عريض من الجرائم ليس في لبنان فحسب٬ بل خارجه كما هو الحال في خلايا في البحرين والكويت والاندماج مع أنصار الله الحوثيين في اليمن٬ عدا الخوض في بحر دماء المستنقع السوري وقوًفا مع نظامه القاتل.
بداية يجب أن ندرك أن انسداد الحالة السياسية في المنطقة٬ أدى إلى ظهور طبقة جديدة من تجار الأزمات وحالة اللااستقرار٬ من الذين ترتفع حناجرهم الآن يضغطون على دول الخليج المستقرة٬ بينما يتعامون عن قول أي كلمة فيما يحدث في سوريا أو العبث الإيراني٬ والأكثر عبثية يصّرون على منح كامل الشرعية والتأييد لحكومات تحتضن قيادات التنظيم٬ فيما تمارس دوًرا سياسًيا مناقًضا تماًما لاستراتيجيات التنظيمات الإسلامية٬ فيما يخص المقاومة والعلاقة مع إسرائيل.. الخ.
الحديث اليوم ليس عن تجاوزات «حزب الله» السياسية داخل لبنان من تعطيل الحكومة إلى الاستحواذ على الشارع٬ بل الحديث عن مواجهة مباشرة مع دول الخليج٬ عبر خلايا من المقاتلين الجاهزين للانقضاض على حالة السلم٬ ولتمرير هذا التدخل السيادي يتم الحديث عن قضايا طائفية٬ وجرها من مربعها الآيديولوجي الديني إلى الجانب السياسي٬ ومن هنا نرى الآن مستوى منسوب الطائفية الذي وصلنا إليه.
حسب التقرير٬ أثار تدخل «حزب الله» في سوريا السخط الشعبي ضد الحزب في لبنان٬ حتى داخل قاعدته الشيعية٬ وكجزء من معركة التنظيم للحفاظ على نظام الرئيس السوري بشار الأسد٬ في السلطة٬ فقد المجتمع اللبناني المئات من أبنائه في ميادين القتال في سوريا٬ والهجمات الإرهابية التي شنتها قوات المعارضة من السنة٬ مع عدم وجود نتائج ملموسة.
المملكة العربية السعودية تقود اليوم تحالًفا إسلامًيا عربًيا ضد الإرهاب٬ وليس من المنطق أن يرتكز مفهوم الإرهاب على نموذج «داعش» وباقي التنظيمات ذات المرجعية السنية٬ بينما تظل أذرع إيران وميليشياته المسلحة٬ وعلى رأسها «حزب الله» خارج نطاق الإرهاب٬ بل يمكن القول إن «حزب الله» هو الشكل الأكثر تغولا في مفهوم الدولة من باقي التنظيمات المسلحة٬ فهو يملك ترسانة متكاملة من الأجهزة والمؤسسات والخدمات المجتمعية٬ والتي تشمل حتى فئة الأطفال الذين يتم تكوينهم ضمن آيديولوجية الحزب المتطرفة٬ وهناك تقارير كثيرة تتحدث عن نماذج صارخة في تضخم النموذج الانقلابي لـ«حزب الله» داخل لبنان٬ فمؤسسة مثل «كشافة المهدي» وهي مؤسسة تربوية للأطفال٬ يتم تلقينهم فيها مبادئ الحزب الفكرية والعسكرية٬ كما يتلقى منسوبها دورات تدريبية عسكرية.
ويمكن القول إن تراجع مكانة الجيش اللبناني٬ وانهيار هيمنة الدولة في ظل الفراغ السياسي الكبير٬ كانا نتيجة منطقية لتضخم الحزب الذي يطرح نفسه كمنقذ٬ عبر تقديم حوافز اقتصادية كبيرة للشبان المنضمين للحزب بهدف القتال في سوريا٬ وهناك تقارير أميركية تتحدث عن 2500 دولار كرواتب تحفيزية للمتطوعين لهذه المهمة٬ التي تشرف عليها إيران بشكل مباشر٬ عبر وجود قيادات عسكرية تتولى زمام الجانب الإداري.
الأكيد أن «حزب الله» يواجه أصعب أوقاته الآن٬ لا سيما بعد حالة التصحيح التي تقودها المملكة تجاه استهداف الإرهاب دون تحّيز٬ وتراجع الحالة السورية٬ يعني أن الحزب أمام استنزاف لكوادره وموارده بشكل غير مسبوق٬ لا سيما بعد التقارير الأميركية الحكومية التي تحدثت بشكل واضح عن تورط الحزب في الاتجار بالمخدرات٬ وغسل الأموال والاتجار بالسلاح يديرها الجناح المتشدد داخل الحزب٬ الذي يعرف باسم «حركة الجهاد الإسلامي» وينشط هذا الجناح في عمليات غير مشروعة في أميركا الجنوبية وقارة أفريقيا.
وتنشط السعودية بالتوازي مع هذه التقارير الدولية في استهداف أنشطة تمويل الحزب داخل أراضيها٬ كما هو الحال مع سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة٬ والتي تهدف إلى قطع الطريق مع المتواطئين مع «حزب الله» في قطاعات الأعمال والتجارة والمصارف٬ وفي الصحافة الغربية كثير من القصص الصحافية التي تحدثت عن عمليات تعقب مالي لتجار مخدرات٬ على صلة بالحزب مثل قضية أيمن جمعة وآخرين من جنسيات مختلفة.
لم يعد للحزب من رصيد إيجابي٬ فيما يخص شعارات المقاومة ومحاربة إسرائيل٬ على خلاف ما حدث في ٬2006 لا سيما بعد أن انهالت الإحصاءات والأرقام حول مدى تغلغل الحزب في الحالة السورية ومساندة نظام بشار الأسد٬ وهناك الحديث عن مئات التوابيت التي تعود إلى لبنان٬ مما حدا بالحرس الثوري الإيراني إلى تغيير المعادلة بالدخول بمقاتليه٬ وتعزيز توازن الحزب بين دوره في تقويض الدولة اللبنانية والتدخل العسكري في المستنقع السوري.
والحال أن منافسة «حزب الله» على السلطة في لبنان ليست إلا وجًها صورًيا للإمساك بمفاصل الدولة٬ ويتوقع مع حصول الحزب على مزيد من المعونات الإيرانية المتوقعة بعد رفع الحظر والاتفاق النووي أن يزيد من تمدده داخل الحالة العراقية واليمنية٬ عبر إرسال قيادات تدريبية وإيجاد مواطئ لمؤسسات تعليمية وتربوية٬ في تأكيد لاستراتيجية تحويل الميليشيات المتحالفة معه إلى دولة داخل دولة.
الأكيد أن خطوة السعودية الكبيرة نحو إيقاف تمدد «حزب الله»٬ لم تكن رمية نرد٬ أو عزًفا سياسًيا منفرًدا٬ بل تزامنت مع إصدار القانون الأميركي الجديد «حظر التمويل الدولي عن (حزب الله) لعام ٬«2015 والذي من شأنه أن يؤدي إلى هزة كبيرة في قطاع الخدمات المالية في لبنان٬ الذي سيظل ينزف من تبعات اختطاف الحزب للبلاد