جاء ردّ حزب الله على “إسرائيل” فجر الأحد المنصرم، أي بعد 27 يوماً على اغتيالها المستشار العسكري للأمين العام لحزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، تحت عنوان “عملية يوم الأربعين”. وقد استهدفت قاعدة “غليلوت” الاستخباراتية قرب “تلّ أبيب”، وقاعدة “عين شيمر” للدفاع الجوّي. وعاشت “إسرائيل” خلال هذه الفترة في التحضير للخطوة الإستباقية للردّ- الانتقامي من الحزب، ولا تزال تنتظر الردّ “المحسوب” على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران… فهل انتهت الردود هنا، خصوصاً بعد إعلان السيد حسن نصرالله في خطابه الأحد “أنّ الردّ انتهى”، وأنّ “المقاومة تتابع نتيجة العملية، وتحتفظ لنفسها بحقّ الردّ لوقت آخر… وإذا ما كان الهدف قد تحقق فستقفل ملف الردّ على اغتيال شكر”، داعياً الجنوبيين للعودة الى منازلهم، أم أنّ “إسرائيل” لا تزال تنوي تسديد ضربة “غير متوقّعة” على لبنان؟!
مصادر سياسية متابعة تحدّثت عن أنّ ردّ حزب الله على اغتيال شكر قد نجح، ولم يؤدِ الى أي ردّة فعل سريعة من قبل “إسرائيل” للردّ على الردّ، سيما بعد أن تحدّثت عن أنّها “أحبطته”. وقد أوضح السيّد نصرالله في خطابه الأخير أنّ كلّ ما ذكرته في هذا الإطار هو محض أكاذيب. المهم أنّ الحزب نفّذ عمليته على قاعدة غليلوت العسكرية وأطلق 320 صاروخاً، مستثنياً المدنيين، على غرار ما فعل طوال الاشهر الماضية منذ فتح “جبهة الإسناد” في جنوب لبنان. في الوقت الذي تواصل فيه “إسرائيل” قتل المدنيين، إن في قطاع غزّة، أو في لبنان تحت حجج ومسميات واهية.
فالحزب الذي أعطى الفرصة لنجاح مفاوضات غزّة في القاهرة ما جعله يؤخّر الردّ، على ما أوضحت، قد تيقّن أنّها سوف تفشل ولن تؤدّي الى إبرام أي اتفاق بين حماس و “إسرائيل”. لهذا ردّ فجر الأحد على اغتيال شكر، وأصدر ثلاثة بيانات في خضّم الردّ شرحت سير القتال وأهدافه. فذكر في البيان الأول أنّ الحزب نفّذ المرحلة الأولى من عملية الردّ على اغتيال شكر، مشيراً الى أنّ التوقيت “يتزامن مع أربعين الإمام الحسين”. وأعلن إطلاق صواريخ ومسيّرات نحو هدف عسكري نوعي من دون أن يُسمّيه، محذّراً من المساس بالمدنيين، وإلّا فالعقاب سيكون قاسيا جدّاً. وفي البيان الثاني كشف جزءاً من خطة الهجوم، ووصول طائرات مسيّرة إنقضاضية الى الهدف المقصود، مع إطلاق 320 صاروخاً من نوع كاتيوشيا، معلناً أنّ العملية انتهت، وفشل الخطوة الإستباقية. في ما تحدّث البيان الثالث عن أنّ المهمة أنجزت بالشكل المخطط له، مجدّداً التأكيد على أنّ ادعاء “إسرائيل” تنفيذ هجوم إستباقي أو إحباط لهجوم المقاومة هو ادعاء غير صحيح.
وفي مطلق الأحوال، جاء خطاب السيد نصرالله بعد الردّ والبيانات والادعاءات “الإسرائيلية” الكاذبة والمضلّلة، على ما اعتبرت المصادر نفسها، ليؤكّد أنّ “الردّ على اغتيال شكر قد انتهى”. ولم تتمكّن “إسرائيل” من إطلاق صفّارات الإنذار خلال الضربة، أو تتنبّه الى هذا الخرق على الجبهة الشمالية. ما جعلها تضطرّ الى مطاردة المسيّرات الصغيرة بواسطة الـ أف. 16، التي يبلغ ثمنها مليارات الدولارات، وفق المعلومات، في ما لا يتعدّى ثمن المسيّرات بضعة آلاف من الدولارات. وهذا يعني أنّ الحزب تمكّن من إعماء “إسرائيل” عند الجبهة الجنوبية، وظهر أنّ له اليد الطولى في حرب المسيّرات، إن كانت انقضاضية أو تجسّسية. لهذا استوعبت “إسرائيل” الضربة، على ما يبدو، رغم أنّها شنّت عشرات الغارات على المناطق الجنوبية، شارك فيها 100 طائرة حربية، بحسب ما ذكرته وسائل إعلامه، على أكثر من 200 هدف في لبنان.
وذكرت بأنّ أكثر ما يهمّ “الإسرائيليين” اليوم هو عدم بقاء المستوطنات الشمالية عند الجبهة الجنوبية فارغة، وألا تتحوّل هذه الرقعة من الأرض الى مساحة اقتتال مع حزب الله. ولهذا يطالبون بعودة المستوطنين وعددهم أكثر من 80 ألف الى منازلهم. ويبدو أنّهم مستعدّون للتفاوض مع “حزب الله” على هذا الأمر. وهو يدخل في المقترح الأخير الذي كان عرضه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على الجانبين. وينتظر نجاح مفاوضات غزّة بشأن وقف إطلاق النار فيها لكي يعود الى المنطقة لمناقشة مسألة تطبيق القرار 1701، وتثبيت الحدود البريّة بين الجانبين، وإعادة الأمن والاستقرار الدوليين للمنطقة، أي إعادة الوضع الى ما كان عليه قبل عملية “طوفان الأقصى”، في اليوم التالي لانتهاء حرب غزّة.
وبالنسبة للمقاومة، تقول المصادر عينها انّها أعلنت انتهاء العملية، والطرف الآخر أعلن ذلك أيضاً في الجولة التي حصلت، وتمّ تحقيق الهدف المنشود، والعدو لم يذهب أيضاً الى تجاوز الخطوط الحمراء حتى بمستويات كان قد تجاوزها في السابق في العمق وفي شكل الاستهداف. أمّا اليوم فقد اكتفى بهذه الدرجة وبهذا المستوى وربّما لأنّه ظنّ بأنّه قام بعملية استباقية وبمناورة مفيدة لكبح الهجوم الذي يبدأ من لبنان. ولكن كان سقف الردّ “الإسرائيلي” بآثاره ونتائجه وبشكله وبعمقه الجغرافي محدوداً، وبالتالي يساعد على خفض التصعيد. وهنا تثبّتت معادلة “تلّ أبيب” مقابل “الضاحية”. وهذا ما يسمح للحزب في المستقبل بإعادة تكريس هذه المعادلة والعمل عليها وتطويرها وتثبيتها، ما يؤمّن مظلّة حماية مستقبلية دائمة للضاحية، كما لسائر المناطق اللبنانية من تهديدات العدو المستمرّة.