قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العقوبات على حزب الله ستكون قاسية وسنستهدف بيئة حزب الله. هذا التهديد أخذ دربه إلى التنفيذ مع إرتفاع وتيرة إدراج أسماء لبنانيين على لائحة العقوبات، لبنانيين تتهمهم الخزانة الأميركية بالتعاون مع حزب الله وتقديم الدعم المالي أو المعنوي والذين ينتمون إلى كافة مكونات المُجتمع اللبناني وليس حصرًا بالبيئة الشيعية.
العقوبات على جمّال تراست بنكّ شكّلت نقطة تحوّل مُهمّة في النهج الأميركي، إذ هدفت الولايات المُتحدة الأميركية من خلال فرضها، إرسال عدّة رسائل في عدّة إتجاهات. هذه الرسائل تطال حزب الله بالمباشر، لكن أيضًا حلفاء حزب الله الذين «يؤمّنون غطاءً له» بحسب الأميركيين، والبيئة الحاضنة بالإجمال. ولكن الأهم هي الرسالة السياسية التي تهدف إلى «تحجيم دور حزب الله» في الدوّلة اللبنانية. وما زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بيلغنسلي إلى لبنان اليوم، إلا تأكيد على الرغبة الأميركية بالإستمرار في سياستها إتجاه حزب الله.
حزب الله وعلى لسان أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله، إعتبر في خطابه في ذكرى عاشوراء أن الولايات المُتحدة الأميركية تشنّ حربًا مالية على حزب الله وعلى بيئته مؤكّدًا في الوقت نفسه أنه لن يتمّ الرضوخ لهذه الحرب. ولم يخلوا موقف السيد نصر الله من رسائل وجّهها إلى عدّة أفرقاء داخليين على رأسهم الحكومة اللبنانية التي إعتبر أن من واجبها الدفاع عن اللبنانيين منتقدًا في نفس الوقت بعض المؤسسات (بالإشارة إلى المصارف) المسارعة في تنفيذ القرارات الأميركية!
المُلفت في خطاب السيد حسن نصر الله، إعتباره أن العقوبات الجديدة لم تعد تستهدف حزب الله فقط (الذي لا يستخدم القطاع المصرفي كما سبق وصرّح)، بل أصبحت تطال أشخاصاً وشركات لمجرّد إنتمائهم الديني أو لمواقفهم السياسية. وهذا الأمر يحتاج إلى ردّ مُختلف يفرض عدداً من الإجراءات على الصعيد الداخلي!
} ردّ حزب الله }
خطاب السيد حسن نصر الله تمّت ترجمته عبر تشكيل لجنة برئاسة النائب علي فياض وعضوية أشخاص أخرين من أحزاب حليفة (مسلمة ومسيحية) للبحث عن وسائل ردّ على العقوبات الأميركية. وتُشير المعلومات التي حصلت عليها الديار من مصدر مُطّلع أن خطّة الردّ تحوي عدّة خطوات على الصعيد الداخلي:
أولا – طرح موضوع العقوبات على طاولة مجلس الوزراء للخروج بموقف رسمي موحّد وتحديد الخطوات الرسمية الواجب إتخاذها؛
ثانيًا – الضغط على المصارف اللبنانية لدفعها إلى عدم تطبيق العقوبات؛
ثالثًا – مقاطعة المنتوجات الأميركية على أنواعها ووقف التعامل مع شركات أميركية خصوصًا تلك التي تُساهم في تنفيذ العقوبات؛
رابعًا – الطلب إلى المواطنين والمناصرين سحب الودائع المصرفية من المصارف اللبنانية التي تُنفّذ العقوبات الأميركية؛
خامسًا – القيام بإحتجاجات شعبية في النقاط التي يتمركز فيها وجود أميركي على الأراضي اللبنانية؛
سادسًا – فرض عقوبات على شخصيات أميركية ومنعها من القدوم إلى لبنان؛
سابعًا – الرجوع عن قوانين سبق أن أقرّها المجلس النيابي (قانون 44/2015، 45/2015 و55/2016).
الصعوبة التي ستواجه هذه الإجراءات، تتمثّل قبل كل شيء في كيفية التعاطي معها على المستوى الرسمي. فطرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء محفوف بمخاطر قد تتمثّل بإنفجار الحكومة من الداخل عبر إستقالة وزراء منها. ناهيك عن الحسابات الحزبية والشخصية للوزراء (بما فيهم الحلفاء) والمخاوف من عقوبات قد تطالهم شخصيًا وعائلاتهم.
الولايات المُتحدة الأميركية درست إستراتيجية حزب الله وبدأت خطواتها الإستباقية من خلال فرض عقوبات لن تتأخر بالظهور على وزير مسيحي في الحكومة الحالية من حلفاء حزب الله بالإضافة إلى نائب من نفس الحزب بحسب المصدر. هذا الأمر سيُشّعل الساحة الداخلية وسيؤدّي إلى إعادة خلط الأوراق السياسية من خلال تطيير الحكومة بالدرجة الأولى! وبحسب المصدر، تأتي زيارة بيلغنسلي إلى بيروت في إطار دعم المعارضين لحزب الله.
} سنياريوهات المواجهة }
تصاعد حدّة الموقف الأميركي وموقف حزب الله يجعل من المواجهة أمرًا شبه محسوم. ويبقى السؤال الرئيسي أين وكيف ستكون هذه المواجهة؟ بالطبع في إطار معالجتنا للموضوع، لم نتطرق إلى الشق العسكري.
على الصعيد المالي، لا يُخفى على أحد التفوّق الأميركي خصوصًا أن الولايات المُتحدة الأميركية تُشكل ما يُقارب ثلث إقتصاد العالم، 60% من إستثمارات أسواق الأسهم موجودة في بورصة نيويورك، سيطرة الدولار على التجارة العالمية، سيطرة البنك الإحتياطي الفديرالي على النظام المصرفي العالمي، سيطرة الشركات الأميركية على بعض القطاعات الإنتاجية. كل هذا يجعل من العقوبات الأميركية فعّالة كما أثبتها التاريخ عدّة مرات وأخرها كان فرض إنسحاب الشركات العالمية من السوق الإيراني على الرغم من الإستثمارات الهائلة التي قامت بها هناك.
وهنا يُطرح السؤال: ماذا يمتلك لبنان لمواجهة هذه القوّة المالية والإقتصادية الهائلة؟
الأزمة الحالية التي تعصف بلبنان على الصعيدين الإقتصادي والمالي، لا تترك للبنان أي هامش تحرّك. فأي عقوبات تفرضها الولايات المُتحدة الأميركية على لبنان وخصوصًا على قطاعه المصرفي، تعني القضاء على لبنان. وهذا الأمر يعرفه جيدًا حزب الله. لذا ومن منظار أوّلي هناك إستحالة أمام لبنان على القدوم على أيّة مواجهة ضدّ الولايات المُتحدة الأميركية وهي التي حجّمت دولة عظمى مثل روسيا من خلال العقوبات التي فرضتها عليها.
أي عقوبات تفرضها الولايات المُتحدة الأميركية على لبنان تعني أن الدوّل الأوروبية ستفرض نفس العقوبات بالإضافة إلى إلتزام المنظومة المصرفية العالمية بهذه العقوبات. أيضًا سيعمد المودعين غير المقيمين إلى سحب ودائعهم من القطاع المصرفي اللبناني كما وأن قسماً من المودعين المحلّيين قد يحوّلون ودائعهم إلى الخارج.
هذا السيناريو سيزيد من عدد المعترضين في مختلف القوى السياسية وذلك بغض النظر عن موقفهم السياسي تجاه الحزب، وهذا الأمر سيؤدّي إلى إسقاط خيار المواجهة مع الولايات المُتحدة الأميركية.
إلا أن حزب الله يمتلك عنصر ضغط على أصحاب القرار (بحسب المصدر) وهو فتح ملفات الفساد. والخيار المطروح بحسب المصدر، ينصّ على فتح ملفات الفساد في لبنان منذ العام 1975 وحتى اليوم والقيام بحجز على أموال المُتهمين من خلال قرارات قضائية يتمّ إتخاذها من قبل القضاء اللبناني. هذا الأمر سيؤدّي إلى تجميد الأموال في المصارف اللبنانية وبالتالي وفي حال ثبوت التهم الموجّهة للفاسدين، سيتمّ إستعادة هذه الأموال إلى خزينة الدوّلة. وهذا الأمر، إن حصل، سيُغيّر حكمًا المشهد السياسي اللبناني بشكل جذري.
} مؤشرات مُقلقة }
نشرت جريدة الديار في عددها 10917 تاريخ 22/9/2019، مقالاً عن المحادثات التي تمّت بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وسعد الحريري. ومن أهمّ ما ورد في هذه المحادثات طلب الرئيس ماكرون بأن يعمد لبنان إلى أخذ موقف رسمي من رفض دخول حزب الله في حرب ضدّ إسرائيل. وحمّل الرئيس ماكرون رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري تداعيات عدم أخذ مثل هذا الموقف مع طلب واضح بتغيير الحكومة اللبنانية وعدم إعطاء الثلث المُعطّل لأي فريق.
هذا الضغط السياسي، يتزامن مع ضغط مالي وإقتصادي يتعرّض له لبنان من جراء الفساد المُستشري والذي جعل لبنان من أكثر الدوّل مديونية في العالم مع أسوأ خدمات عامّة. ولكي يكتمل المشهد السياسي تمّ ربط أموال سيدر بموقف الحكومة الرسمي من موضوع الحرب مع إسرائيل، وزادت وتيرة العقوبات الأميركية على أشخاص مُتهمين بالتعاون مع حزب الله.
هذا المشهد يضع الطبقة السياسية اللبنانية في موقف لا تُحسد عليه، حيث أصبح موضوع العقوبات الأميركية يحتلّ المرتبة الأولى في أولويات الحكومة وحجب النظر عن وضع إقتصادي، مالي، وإجتماعي مُذّر.