نفّذت يوم السبت الماضي تظاهرة لبنانيّة خجولة تطالب بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي أبرزها القرار 1559 والقرار 1701، تظاهرة بوضوح شديد ضدّ سلاح حزب الله المتسلّط على رقاب اللبنانيين والدولة اللبنانيّة وسيادتها الممنوعة من بسطها على أراضيها ومصادرة دور مجلس الوزراء مجتمعاً في اتخاذ قرارات السّلم والحرب ورهنها للأجندة الإيرانيّة وتسليم مصير اللبنانيين بوضع هذه القرارات في يد الوليّ الفقيه علي الخامنئي!!
صحيح أنّها تظاهرة خجولة لكنّها أفضل من الصّمت المريع تجاه اختطاف الوطن والشّعب، وهي للأسف تظاهرة متأخّرة بفارق 15 عاماً، وتجيء في توقيت دولي ميّت لا رياح دوليّة فيه قد تهبّ لمصلحة لبنان، لكن لا بُدّ لكلّ شيء من بداية، وهذا المشهد تحديداً هو الذي يخشاه حزب الله، وهو الّذي هدّد اللبنانيّين في 8 آذار العام 2005 ليهدّ عزيمتهم المطالبة بخروج الإحتلال السّوري من لبنان، فجاء 14 آذار العظيم ردّاً على تلك اللحظة الجبانة الخائفة، كان على اللبنانيّين أن يستمرّوا في ثورتهم الكبرى سعياً لتطبيق القرار 1559، كنّا عُزّلاً فيما غيرنا متخم بالصواريخ، ولكن ماذا نقول ووليد جنبلاط في تلك اللحظة كان أقصى همّه انتخابات العام 2005 والأولوية لجرّ قوى 14 آذار إلى التحالف مع حزب الله ليتمكّن من الفوز بالانتخابات بقانون غازي كنعان في وجه ما أسماه يومها «تسونامي ميشال عون»، هذه حقيقة على اللبنانيّين أن لا ينسوها أبداً، فالرّجل الذي كان يقود ثورة لبنان في وجه الاحتلال السوري جلس في احتفال بنت جبيل في ذكرى 25 أيار وسلّم لبنان لسلاح حزب الله وأجنداته من أجل «كراسٍ إنتخابيّة»!!
عند إعلان بشّار الأسد تطبيقه للقرار 1559 بخروج جيشه المحتل من لبنان، تساءل يومها الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة آنذاك والذي فشل في مهمته بعد مناورات عديدة، تساءل يومها الراحل عمر كرامي في تصريح متلفز «مين بدّو يشيل سلاح حزب الله»، حتى حلفاء حزب الله من رجال سلطة الاحتلال السوري لم يكن لديهم مانع من لعب هذه الورقة من أجل «شرعنة» بقاء الاحتلال السوري في لبنان، لكن من المؤسف أنّ فريق التّحالف الرّباعي والذين كانوا يعلمون علم اليقين أنّ حزب الله متورّط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ـ ومن أجل مصالح إنتخابيّة يومها ـ خرجوا على العالم ليقولوا له «سلاح حزب الله شأن لبناني داخلي، وسيحلّ بحوارٍ لبناني»، والنتيجة معروفة منذ خديعة «طاولة الحوار» في آذار العام 2006 وكلّ الموافقات والوعود بصيف هادىء التي تمّ الإنقلاب عليها لاحقاً، مروراً بطاولة التشاور ببنديْن أساسيّين وصولاً إلى كارثة 7 أيار العام 2008 !!
لو تُرك الأمر للبنانيّين يومها، وترفّع هؤلاء السياسيّون عن دناوتهم تجاه الكرسي الانتخابي لوفّروا الكثير على هذا الشّعب المسكين، تلك اللحظة لا شيء سيعوّض اللبنانيّين عن ضياعها، التّظاهر سلميّاً على مرأى من دول العالم للمطالبة بتطبيق قرار مجلس الأم 1559 لسحب سلاح الميليشيات كان ليوصلنا إلى لحظة يتحرّر فيها لبنان من إيران، لم يكن الكابوس الإيراني يثقل صدورنا إلى حدّ تحويلنا جميعاً إلى رهائن!!
اليوم خروج تظاهرات خجولة جداً للمطالبة بتطبيق القرارات الدوليّة لن تلقَ آذاناً صاغية عند الدول الكبرى، ولن تجد لها صدىً في الشّارع اللبناني لأنّها إن لم يتداركها الجيش اللبناني ستنقضّ عليها تظاهرات حاشدة تحت عنوان «غضب جمهور حزب الله وبيئته» لتأديب هؤلاء المتظاهرين واتهامهم كلّ أشكال العمالة، وسيخرج علينا أمين عام حزب الله حسن نصر الله متوعّداً بأنّ حزبه لم يعد قادراً على «ضبط جمهوره»!!
لبنان واللبنانيون اليوم في وضع شديد السّوء، لسنا في العام 2005 الذي وبالرّغم من كلّ التفجيرات والاغتيالات كان لبنان فيه تحت مجهر مراقبة دول العالم التي لم تفعل له شيئاً، ومن واجبنا هنا تذكير اللبنانيّين بذاك التاريخ المشؤوم الذي قتلت فيه «تغريدة» الدكتور محمد شطح، رحمه الله لو كان هنا اليوم لوفّر على الرئيس سعد الحريري الكثير من القرارات الخاطئة، من المفيد أن نتذكّر بتأمّل شديد تلك اللحظة في 27 كانون الأول من العام 2013، عندما قُتلت ظلال حزب الله محمد شطح في انفجار سيارة مفخخة بعد تغريده في 26 كانون الأول قبل يوم من مقتله:»حزب الله يهوّل ويضغط ليصل إلى ما كان النّظام السّوري قد فرضه لمدة 15 عاماً : تخلّي الدولة له عن دورها وقرارها السيادي في الأمن والسياسة الخارجية»..على المتظاهرين المطالبين بتطبيق القرارات الدوليّة أن يتذكّروا جيّداً تغريدة الراحل الدكتور محمد شطح، حزب الله حقّق أكثر بكثير ممّا قال شطح أنّه راغب في تحقيقه، نعيش اليوم في «غابة» حزب الله!