IMLebanon

السلاح والحدود والقرار السياسي

 

يشهد الوضع الأمني على الحدود الجنوبية والشمالية الشرقية للبنان تصعيداً خطيراً يهدّد الاستقرار وسط مخاوف من خروج الأمور عن السيطرة.

 

 

في الأسابيع الأخيرة، كثّفت إسرائيل استهداف البنى التحتيّة العسكرية التابعة لـ”حزب الله” واغتيال عناصره، في تصعيد يتزامن مع تهديدات علنيّة ورسائل أميركية مباشرة تحذّر من احتمال لجوء إسرائيل إلى عمل عسكري إذا لم تلتزم الدولة اللبنانية بتنفيذ كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار، والقيام بالإجراءات اللازمة لضبط سلاح “الحزب” وكبح نشاطه العسكري.

 

 

على الجانب الآخر، لا تزال الحدود اللبنانية السورية تشهد حالة من الفلتان الأمني، حيث تنشط عصابات التهريب والجماعات المسلحة. هذا الواقع الفوضوي عبر الحدود يناسب “حزب الله”، إذ إنه يستغله كي يُوجّه عبر العصابات والعشائر رسائل أمنيّة باتجاهات مختلفة، كما إن له مصلحة في تعميم الفوضى عبر الحدود، ما قد يُسهم في فك الحصار البري عنه. في السياق نفسه، تشير التقارير إلى استمرار التنسيق بين “الحزب” وعصابات سورية كانت على ارتباط به قبل سقوط نظام الأسد، إذ تجد هذه العصابات أيضاً مصلحة في بقاء حالة الفلتان الأمني المتفاقمة.

 

 

يثير تأخّر السلطة السياسية في التعامل مع ملفي احتكار الدولة للسلاح وانتشار الجيش على الحدود تساؤلات ملحّة حول الدوافع والخلفيات التي تحول دون اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الشأن. فرغم وضوح مواقف كلّ من الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، اللذين شدّدا على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة وتعزيز الانتشار العسكري على الحدود لضبطها ولحماية اللبنانيين، لا تزال أسباب تردّدهما في اتخاذ القرارات التنفيذية مثيرة للريبة والقلق لدى أكثرية اللبنانيين.

 

 

يطالب اللبنانيون بتوضيحات صريحة من قبل السلطة السياسية: كيف ستتعامل مع المنظومة العسكرية لـ “حزب الله”؟ ومتى ستلتزم بعهدها للبنانيين باحتكار السلاح بيد الدولة؟ كما يطرحون تساؤلات حول سبب استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، وما إذا كانت السلطة تتبنى رواية “حزب الله” الذي يُحمّل إسرائيل وحدها مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار، أم أن هناك تقصيراً من قبلها، أي السلطة، في تنفيذ شروط الاتفاق، لا سيما في ما يتعلّق بمسألة سلاح “الحزب” ومنظومته العسكرية؟

 

 

وفي السياق ذاته، يوجد تساؤل آخر لا يقل أهمية: لماذا لم تتخذ السلطة السياسية بعد القرار اللازم للجهات العسكرية والأمنية المعنية للانتشار الكامل على الحدود مع سوريا وضبط المعابر غير الشرعية؟

 

 

إن الإجابة على هذه الأسئلة لم تعد مجرد حق للبنانيين على السلطة السياسيّة بالوضوح والمصارحة، بل باتت ضرورة ملحّة تفرض على القيادة السياسيّة تحمّل مسؤولياتها واتخاذ قرارات جريئة تضع حداً لحالة الغموض والتردّد. فالتأخير في معالجة هذه الملفات لا يمر من دون ثمن، إذ يدفع اللبنانيون من أرواحهم وأرزاقهم كلفة هذا التباطؤ، فيما تتزايد المخاطر التي تهدّد استقرار البلاد.

 

 

إن الاستمرار بسياسة المماطلة قد يؤدي إلى تدهور الأمور وفتح جبهة غير مسبوقة على الحدود مع سوريا، في حين يبقى خطر تجدد الحرب الإسرائيلية قائماً في ظل اعتماد السلطة التنفيذية سياسة النعامة ودفن الرأس في الرمال في ما يتعلق بسلاح “حزب الله” ومنظومته العسكرية. فهل تتدارك الأمر قبل فوات الأوان، أم يبقى لبنان رهينة الانتظار والمجهول؟