IMLebanon

الحزب طرف داخلي إيراني!

أزمة صامتة ثارت منذ تشييع آية الله هاشمي رفسنجاني بين «حزب الله» و«جبهة الأمل» في إيران، التي تضم تحالف «الهاشميين» نسبة إلى هاشمي رفسنجاني، والمعتدلين أو «الوسطيين» نسبة إلى الرئيس حسن روحاني، و«الإصلاحيين» بزعامة محمد خاتمي الممنوع من الظهور دون الحضور. في قلب هذه الأزمة – الخلاف، تخلّف «حزب الله» عن المشاركة في التشييع وفي التأبين، والاكتفاء ببيان عادي جداً بالنسبة لشخص رفسنجاني غير العادي في الحياة السياسية الإيرانية منذ قيام الثورة.

أحد عقلاء «الرفسنجانيين» والعارف جداً بأوضاع الساحة اللبنانية يرى أنه لا شيء يبرّر هذا الغياب. فالحزب الذي اعتاد على إقامة التأبين لشخصيات دينية أو جهادية عادية أحياناً، لم يقم عزاء ولا فتح باب التعزية ولا أرسل وفداً للمشاركة في التشييع أو الثالث، رغم أن رفسنجاني شخصية غير عادية في الثورة والدولة، فهو بدأ رفيقاً للإمام الخميني منذ البدايات ولم يتراجع في يوم من الأيام عن «خمينيته». رفسنجاني أيضاً كان قائد «الحرب المقدّسة» (العراقية – الإيرانية) وهو تجاوز حدود إيران في مرجعيته وفي علاقاته السياسية إلى درجة أن آية الله العظمى السيستاني الذي نادراً ما شارك في التعزية، وجّه رسالة تعزية بخط يده وتوقيعه. كما أن المرشد آية الله علي خامنئي، رغم كل العلاقة المتوترة بعيداً عن تاريخية علاقته الشخصية مع رفسنجاني، شارك في التشييع وفي إبداء حزنه عليه، أيضاً فإن «الحرس الثوري» شارك بكثافة ولاحظ الإيرانيون تقدم قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني المشيعين.

«العاقل الإيراني» نفسه يضيف، «الحرب ضدّ هاشمي رفسنجاني كانت حادة وشخصية حتى لحظة وفاته، لكن فور إعلان تشييعه انقلبت الحملة من العداء إلى التكريم والمدح، وتذكّر الجميع في إيران أنه بدّد ثروته الضخمة على الثورة عكس ما كان يروّج عن جمعه الأموال بسبب استثماره لمواقعه، وأنه قَبِلَ بسجن ابنته فائزة وابنه دون اعتراض حتى لا يؤخذ اعتراضه تأييداً لأي نشاط مضادّ يتيح ثقب «السفينة». كما ترك نتاج ضرب إنجازاته الخارجية وأبرزها الانفتاح والاتفاق مع السعودية وتحديداً مع الأمير (آنذاك) عبدالله بن عبد العزيز، حتى لا يؤدّي تصريحه إلى خلاف علني مع قيادة المرشد، بعدما تعمَّق الخلاف مع السعودية، وقد انتشر دوره المعتدل بعد وفاته كما حصل مع ثروته ومنها أنه يعيش في قصر، في حين أنه لأسباب أمنية في زمن الإمام الخميني ضمّت الدولة منزل جاره إلى منزله.

«حزب الله» وصلته التساؤلات والانتقادات الإيرانية ولم يردّ علناً. لكن أوساطاً قريبة منه ترى أن الصمت موقف وليس إحراجاً. ذلك أن علاقات الحزب بإيران استثنائية، وموقفه فيها من السياسة والحرب متكامل، فهو أصبح منذ فترة طويلة طرفاً وليس تابعاً، لأن الحزب ليس مجرّد ميليشيا كالآخرين من الميليشيات الشيعية المقاتلة بمن فيها العراقية. استكمالاً لذلك فهو في إيران مع «الحرس الثوري» وكامل التيّار المتشدّد، لأنه يتوافق معهم فكرياً وسياسياً، وهو بذلك يكون مع «الحرس» حيث يكون في الحرب والسياسة، وهو في حركته يؤكد أنه معهم حتى ولو كانوا، بسبب حسابات داخلية، يقدمون الواجبات على المواقف. لذلك فإن الحزب أبدى منذ سنوات أنه ضدّ تيّار «الاعتدال» وعلى خلاف مع هاشمي رفسنجاني دون تحويل هذا الموقف إلى شجار غير منتج، وفي العمق لا تريده القيادة حتى لا يصبح الداخل مكشوفاً للخارج فتستثمره القوى الخارجية لمصلحتها في «الحرب الناعمة» أو حتى «حرب الظلال».

ويبدو أن الحرب في سوريا وانخراط الحزب فيها تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني، عمّقا الخلاف مع رفسنجاني وكامل«جبهة الأمل»، وإذا كان رفسنجاني وخاتمي وحتى روحاني الذي حساباته الداخلية أدقّ وأصعب، لم يعلنوا موقفاً مخالفاً لانخراط إيران في الحرب إلى جانب بشار الأسد ونظامه، فإنهم على الأقل سمحوا للكثيرين من الصف الثاني بالتعبير عن هذه المعارضة، التي تبلورت في الشعار الشعبي «لا غزة ولا لبنان نحن نحب إيران». أما نقطة الفصل التي تعمّق موقف الحزب وتصل به إلى درجة «الطلاق» فهي احتضان الإصلاحيين و«الهاشميين» العلني للموقف المعادي لروسيا الذي وصل إلى حد قلب شعار «الموت لأميركا» إلى«الموت لروسيا».

هذا النداء الانقلابي، جاء في وقت يتعمّق فيه التحالف الروسي – الإيراني، الذي أنتج برأي المطّلعين انتصاراً بارزاً لجبهة «المقاومة» الذي«حزب الله» شريك كامل العضوية فيه من سوريا ولبنان إلى العراق والبحرين واليمن. وقد وصلت «عضويته» في هذا الحلف إلى صياغة المواقف والتدخّلات، وهو يعلن ذلك حيث لا تريد إيران لأسباب اقليمية ودولية أن تتصدّر الساحة، كما في اليمن والبحرين.

لا يمكن الاطمئنان إلى المتغيّرات والتطوّرات. «انتصار» الحلف الروسي – الإيراني محدود بالزمان والمكان، وهو مرتبط جذرياً بـ «السياسة الترامبية». العلاقات الأميركية – الروسية هي التي ستصوغ ما سيجري في المنطقة، لأن موسكو لن تُغضِب واشنطن، وهي ستعمل على المحافظة على إيجابية العلاقة ولو على حساب بعض شركائها الاقليميين خصوصاً أن العلاقات الأميركية – الإيرانية معلّقة على«حافة السكين».

أيضاً فوز حسن روحاني بولاية ثانية يغيّر الكثير من المعطيات، لأنه إذا استكمل بفوز «جبهة الأمل» بانتخابات مجلس الشورى في ما بعد فإنه يقلب الوضع الداخلي الإيراني الذي يقف على حافة غموض الخلافة للمرشد.