IMLebanon

الصراع الخفي  بدأ يتظهّر

يحاول البعض الايحاء بأن تباطؤ التشكيل الحكومي مرتبط بسفر بعض المعنيين،والمقصود غياب الوزير جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، والذي يصح وصفه بالمعاون السياسي للرئيس ميشال عون، والسيد نادر الحريري مدير مكتب الرذيس المكلف سعد الحريري، بوصفهما قناتي التواصل بين بعبدا وبيت الوسط، قبل الانتخاب الرئاسي، وبعد التكليف الحكومي.

وقد يكون شيء من هذا ملامسا للواقع، أقله من حيث آلية التواصل، التي يمكن ايجاد من يصرف أعمالها عند الغياب، في حال صفت النيّات وعمّت التفاهمات، لكن ماذا لو عاد الرجلان، وهما عائدان أواخر هذا الأسبوع بالتأكيد، وبقي المشهد الحكومي يراوح مكانه؟…

الواقع، سيكون كذلك، أولا بسبب رغبة البعض، بل واصراره على ان يأكل وزاريا من صحن غيره، وثانيا لأن دعوة الرئيس ميشال عون بعض القيادات السياسية الى الاستقلال في قراراتها عن الضغوط الخارجية، لا زالت تحت الدرس كما يبدو، وباكرا رؤيتها في الطريق للتنفيذ… والدليل حديث أوساط التيار الحر عن ملامح انطباعات تتكوّن عند الناس، بأن هناك صراعا خفيّا مكتوما ومكبوتا عاد الى الظهور، بين من يعتقد بل يريد ان يكون هناك ما قد تغيّر في البلد نحو الأفضل، وبين من يسعى ويدأب كي يثبت للناس بأن لا شيء تغيّر، وبأن حكومة الغد لن تكون إلاّ نسخة عن حكومة اليوم، مع تغيير في بعض الأسماء، والقليل من الحقائب.

أما التغيير المحتمل، فقد يكون تراجعيا، باتجاه المطالبة المستجدة، باعادة المياه التنسيقية الى مجاريها مع بعض الأنظمة والدول، في تطلع واضح نحو الرجوع الى ما كان قبل عشر سنوات ونيّف، من تواجد عسكري مباشر، بالايجار والاستئجار هذه المرة…

المصادر العسكرية الرسمية أجابت على سؤال حول صحة ما نشر عن طرح روسي لتأجير قاعدة رياق الجوية للطيران السوري، بالقول: نحن لا نؤجّر قواعدنا، ولا أحد طلب منّا ذلك.

لكن بقي على المصادر السياسية، صاحبة القول والشور ان توضح حقيقة الأمر، الذي يدفن اتفاق الطائف حيّا ويلحق به اعلان بعبدا وكل ما قيل قبله وبعده، عن سياسة النأي بالنفس، الى المثوى الأخير…

بعض الأوساط القريبة من القوات اللبنانية ترى في العقبات المتوالدة في طريق الحكومة، مواجهة مباشرة للعهد الجديد، ولغاية الحؤول دون ان يكون له العمق العربي الملائم.

وهناك هدف آخر لا يقل أهمية، يمكن من ملاحظة ايحاءاته الخارجية، من التعقيدات الوزارية المتلاحقة، وكأن المقصود تقليص هامش حركة الرئيس الحريري المكلف بالتأليف، كي تأتي الحكومة على مقاس سواه.

وفي النهاية، هي أزمة ثقة بين الحلفاء وحلفاء الحلفاء، أزمة خوف من البعض على البعض، بل أزمة نظام سياسي مبني على الطائفية، المجوّفة من كل أثر وطني صحيح…

فالطائفية، عصبية قبلية، أكثر مما هي دين، وهي عندما تكون ضمن الاطار التعددي المتنوّع تصبح غنى ورسالة، كما وصف البابا الراحل يوحنا بولس لبنان، عندما قدّمه كرسالة لتعايش الأديان السماوية، لكن حينما تتحوّل الطائفية الى شعار سياسي وخندق ومتراس لذوي المصالح والشهوات، تصبح أزمة بذاتها، بل علّة غير قابلة للشفاء، وبالتالي تفتح الأبواب لصراع الأخوة، فلتدخّل المتدخّلين من عشّاق النفوذ وأرباب الوصايات، ومن يدخل حكما بين طرفين يصبح سيّدا عليهما معا…

ويضاف على ذلك، التفاوت الذي توجده الطائفية السياسية على مستوى التطور، بين المجتمع اللبناني الطموح والمقدام، وبين السياسيين التقليديين، الذين يجدون فائدتهم بتجميد الحياة السياسية على مقاس مصالحهم، وهذا ما يعمّق الخلط بين الفساد السياسي والطائفية الموسومة به، أو التي هي وجه من وجوهه الكالحة، بدلا من ان تطعم السياسة بأخلاقيات الدين…