لن يكتمل مشهد شرق البحر المتوسط بالإعلان عن نتائج التحقيقات في حادثة إسقاط الطائرة الروسية قبالة الشاطىء السوري، فلاكتماله عناصر أخرى لم تتوافر بعد بانتظار شكل المواجهة الإسرائيلية ـ الروسية المحتملة. فهل من قطبة مخفيّة لم يُكشف عنها بعد؟
ليس هناك الكثير ليرصده أي خبير لتكتمل لديه صورة إسقاط الطائرة الروسية ومقتل 15 من خبرائها.
في نظر الخبراء، لم تُجب توضيحات القيادة العسكرية الروسية على كثير من الأسئلة لإنارة التحقيقات، وربما أخذها في اتجاه مغاير. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- لماذا لم تستطع أجهزة الرصد السورية التي توجّه الصواريخ من طراز «إس 200» التفريق بين العدو والصديق؟ وهل يملك السوريون «الأرقام ـ الرموز» والشيفرات العائدة لكل هويات الطائرات الصديقة، لاسيما الروسية التي كانت على بعد أميال قليلة من قواعدها وعلى مرمى شبكة صواريخ «إس 400»؟
- أين كانت أجهزة قاعدة حميميم ولماذا لم تنقذ طائرة «ايل 20» من الصواريخ السورية التي انطلقت على طريقة «يا رب تِجي بعينو»؟
فلو لم تكن شبكة «إس 200» قديمة، لَما طرح مثل هذا السؤال الذي يُضيء على أمور أخرى: - إيقاف أجهزة الرصد الروسية عند أي عملية اسرائيلية في محيط 400 كلم من حميميم.
- كيف يمكن لموسكو ان تكشف صراحة عن تفاهمات سمحت لإسرائيل منذ العام 2015 بضرب اهداف سورية او ايرانية من دون ان تخشى أي رد فعل من أحد؟
ليست المرة الأولى التي تستظلّ فيها طائرات حربية طائرة صديقة للهدف الذي تهاجمه. ومن هنا، يعتقد انّ موسكو حمّلت تل ابيب مسؤولية الحادثة.
وما دعم الإتهام الروسي أنّ التشويش الإسرائيلي جعل المنطقة غير مراقبة. فقاعدة حميمم لم تكن سوى على تواصل مع «الطائرة – الضحية» التي كانت تستعد للهبوط في القاعدة عندما أبلغ الإسرائيليّون الروس قبل دقيقة، ولو باللغة الروسية، بأنّ الهدف في شمال سوريا وليس على ساحلها الغربي.
وبعيداً من التفسيرات المتناقضة التي أعطيت لمواقف العسكريين الروس المتشددين الذين تقدّمهم وزير الدفاع سيرغي شويغو وحديث الرئيس بوتين عن «مسلسل الأحداث المأسوية» التي رافقت إسقاط الطائرة، والذي عدّ تخفيفاً للهجة موسكو، فإنّ من يعرف التركيبة الروسية يدرك انّ أي موقف لقائد عسكري او سياسي او ديبلوماسي بهذا الحجم يجب أن يحظى بموافقة بوتين قبل صدوره. فهو يمسك بناصية المسؤولية وفق نظام رئاسي يعدّ الأكثر تشدداً في العالم. لذلك، فإنّ اي حديث عن لغتين روسيتين غير وارد.
لكن الخبراء العسكريين يؤكدون انّ اي تعديل في قواعد الإشتباك بين موسكو وتل ابيب سيحفظ لتل أبيب حرية الحركة. وانّ المرحلة الراهنة من التجاذبات عملية شد حبال تتعدد فيها «القطب المخفية». وقد تستغلها موسكو لتوجّه رسالة واضحة الى واشنطن عبر البريد الإسرائيلي بقدرتها على تقييد حرية إسرائيل وطائرات الحلف الدولي وأميركا، خصوصاً في سماء المنطقة، وتعزيز مواقع حلفائها، أعداء أميركا وإسرائيل، وخصوصاً الإيرانيين، لكنها لن تفعل ذلك في المدى المنظور.
وينهي الخبراء العسكريون قراءتهم بالسؤال عن قدرة «القيصر» على التفرّد بالمنطقة براً وبحراً وجواً؟ وفي حال العكس المرجّح، ما الثمن الذي يطلبه لقاء تجاوزه الحادث وما دفعه من هيبته وخيرة عسكرييه وطائرته المتطورة من واشنطن وتل أبيب معاً ليحفظ لهما حقوقهما في سوريا والمنطقة بكاملها؟