بعيدا عن المهاترات السياسية الضيقة والمواقف الانفعالية التي جرت في البلاد خلال الايام القليلة الماضية على خلفية ما حدث في رومية، بعد تسريب اربعة افلام تعذيب لسجناء الى وسائل التواصل الاجتماعي، واطلاع وزير العدل رئيس الحكومة عليها، تشير كل المعطيات الى ان الاتصالات التي جرت نجحت في امتصاص نقمة الشارع وتداعيات ما حصل اقله سياسيا مع تحديد موعد جديد للحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، تحت مسمى الحفاظ على الاستقرار الداخلي ووأد الفتنة المذهبية، رغم تعدد القراءات حول الاهداف والتوقيت.
غير ان الازمة المستجدة التي طرحت عشرات التساؤلات حول التوقيت والاهداف، اعادت الى الواجهة الاجراءات الامنية المتخذة داخل السجن والحديث عن نظام انذار ومراقبة بالكاميرات كلف عشرات آلاف الدولارات، عجز عن رصد عملية «التعذيب»، او ان جهات عليا تغاضت عما حصل في حال العكس، ودفع بطرف ما الى تفجير الازمة وتسريب الافلام؟ فمن تراه يكون او بالاحرى من يقف وراء ذلك؟ عند هذه النقاط تقول مصادر متابعة قد تكون الحيرة اكبر وتنوع القراءات الى حد التقاطع بين متعارضين. فمن قائل ان جهات سعودية اوعزت الى احد الوزراء للقيام «بالعملية» لحرف الاهتمام عن فضائح «ويكيلكس» بنسختها الجديدة، وهو ما تحقق عمليا بشكل جزئي، الى من اعتبر العملية انجازا امنيا لبنانياً رداً على الاتهامات التي سيقت بحق المحكمة العسكرية من خلال اعادة تعويمها عبر تسلمها الملف والحكم فيه، نظرية حاول وزير الداخلية «القوطبة» عليها حين كلامه عن محاولات للايقاع بين الجيش وقوى الامن، متناسيا ان المرحلة السابقة شهدت كلاما اخطر بكثير وصل الى حدود اتهام فرع المعلومات باغتيال اللواء الشهيد فرنسوا الحاج ردا على اغتيال الرائد الشهيد وسام عيد، النظرية التي يتبناها بشكل او بآخر نجل الشهيد ايلي عبر ايراده تفاصيل في اكثر من طلة اعلامية له عن «تواطؤ» لقوى الامن الداخلي، واخيرا فريق يتقدم صفوفه وزير العدل اللواء اشرف ريفي الذي اتهم حزب الله بالتسريب من امام مكتب وزير الداخلية ووجوده، ما اضطر الاخير الى الدفاع نافيا توصل التحقيقات الى معرفة الجهة المسربة.
ورغم ان القضاء وضع يده على الملف من خلال الادعاء على العسكريين الخمسة المتورطين، يستمر البحث عن القطبة المخفية تضيف المصادر المتعلقة بتوقيت التسريب، مع تركيز التحقيقات على حصر الاشخاص الذين تم ارسال الفيديوهات لهم، حيث تفيد المعلومات الى ان الاشرطة ارسلت الى اكثر من شخص ما يجعل امر اكتشاف المصدر الرئيس اكثر صعوبة، رغم تمكن الجهات الفنية من تحديد هوية الشخص المدني م.ص الذي نشر الفيلم لاول مرة على صفحته الخاصة على موقع يوتيوب يوم السبت 19 حزيران لاعتقاده ان من يجري تعذيبه ينتمي لداعش، بحسب ما ادلى في افادته امام المحققين، حيث يستمر توقيفه لمعرفة العلاقة التي ممكن ان تربط بينه وبين احد العسكريين، خصوصا ان من صور الفيلم هو ع.ص، الذي لا تربطه اي علاقة قرابة ب م.ص، والذي محى بدوره الفيلم عن هاتفه بعد ارساله ل ح.ج، مضيفا انه حصل على الفيديو عن طريق الواتساب، ليتبين انه حذف الرقم بعد الضجة التي اثيرت، حيث يعمل الفنيون على تحديد صاحب حساب الواتساب المعني، علما ان المتابعة التقنية بينت ايضا انه مساء السبت قام موقع «اخبار باب التبانة» بنشره، قبل ان يبدا تداوله بشكل واسع.
لم تُخْف مصادر سياسية قلقها لجهة وجود محاولات للإمعان في دفع الشارع السني الى بناء خطوط تماس مع «الدولة» ومؤسساتها الأمنية الواحدة بعد الأخرى وإيجاد شرخ بينه وبين قيادته المعتدلة، لدفْعه الى منطق يسهل على خصومه التعاطي معه «أمنياً» اذا اقتضت الحاجة ذلك مستقبلاً سواء لاعتبارات عسكرية تتصل بسير العمليات العسكرية على الجبهات السورية المتاخمة للحدود اللبنانية شمالا وبقاعا،من جهة، ولاعتبارات سياسية في حال انهيار النظام السوري، من جهة ثانية، متوقفة في هذا الاطار عند اشارات ثلاث:
– ضرب هيبة فرع المعلومات بعد الانجازات الكثيرة التي حققها، في ظل عزم وزير الداخلية طرح المراسيم المتعلقة بتحويله الى فرع على مجلس الوزراء.
-التركيز على ان من قام بعملية التعذيب هم عناصر من المعلومات، يتحمل الفرع ككل المسؤولية عنها، كما عبر العماد عون، ما اثار نقمة سنية، ترجمة حملة في الشارع طالت باحد اوجهها الفرع الذي طالما حسب على فريق الرابع عشر من آذار بشكل عام، وكتابع لتيار المستقبل.
ـ اظهار الفرع على انه جهاز مخروق من قبل اكثر من جهة سواء حزبية او سياسية، مدرجة في هذا الاطار الاتهامات الموجهة الى احد الضباط المشهود لهم في الفرع، بالوقوف وراء تسريب الشريط، بذريعة القرابة التي تربطه باعلامي وزوجته محسوبين على فريق سياسي ذات ارتباطات اقليمية معينة، رغم ان الجهة السياسية المنافسة وبالتحديد احد الوزراء السياديين وقف شخصيا وراء عملية نقله الى قوى الامن الداخلي والحاقه بمكتب وزير الداخلية، بعدما كان تقدم باستقالته من مديرية امنية تابعة لوزارة الداخلية، بعد خلافات وقعت بينه وبين قيادتها.
-استغلال اطلاق خالد محمد يوسف الملقب بـ«ابو الوليد» من دون اي ضجة سياسية الخميس 17 حزيران عشية انفجار قنبلة الرومية، من بلدة مجدل عنجر، اوقف في سوريا عام 2010 وسلم الى الامن العام اللبناني، امير المبنى «د» وعضو الهيئة الشرعية التي شكلت في السجن (رغم كان اول الفارين يوم هاجمت المعلومات المبنى وطهرته حيث توارى في الطابق الاول بين السجناء)، متهم بمهاجمة الجيش والقيام باعمال ارهابية، وتسليمه الى الشرطة العسكرية، قبل 7 سنوات من انتهاء مدة محكوميته، على ان تعاد محاكمته امام المحكمة العسكرية وهو حر طليق بجرم الانتماء الى مجموعة مسلحة.
ولكن ماذا لو سقطت كل تلك النظريات وثبت ان العملية من بدايتها الى نهايتها عمل فردي لا خلفيات سياسية ولا طائفية له، باعتبار احد المعتدى عليهم رجل دين سني عضو في هيئة العلماء المسلمين؟ وماذا لو صحت تهمة التسريب على الضابط المعني؟وهل من ارتباط بين اطلاق ابو الوليد وصفقة الاسرى العسكريين، ما دفع بالمتضررين الى تفجير فضيحة التعذيب؟ ما يبدو حتى الساعة ان قرارا «بضبضبة الموضوع» قد اتخذ، على ان يطلق المشنوق بعدها هجومه السياسي، الا اذا كان فهم الرسالة.