Site icon IMLebanon

القُطبَة المخفيّة في ملف الثروة النفطيّة اللبنانية

عاد ملف النفط إلى الواجهة مجدّدًا مع الزيارة التي قام بها الوزير جبران باسيل إلى رئيس مجلس النواب قبل يومين. ويظهر إلى العلن صعوبة المضي في هذا الملف مع التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية. فهل يشهد شهر أيلول إقرار مراسيم النفط؟

إنها الزيارة الثانية التي يقوم بها وزير الخارجية جبران باسيل إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي والموضوع هو نفسه: الملف النفطي. وإذا كانت الزيارة الأولى قد أفضت إلى إتفاق على تسريع الملف النفطي، فقد أتت الثانية لتُثبت هذا الاتفاق الذي يبقى مجهول الُمحتوى نظرا إلى السرية التي تشبّث بها الطرفان.

إلا أن هذا التكتم حول الملف أثار خفيظة عدة أطراف منها رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام الذي يبدو أنه لم يتقبّل فكرة عدم وضعه في أجواء الاتفاق، كما أن العديد من الأصوات خرجت من تيار المُستقبل لتنتقد الاتفاق الجانبي الذي لم يشمل كل الأطراف. أما حزب الكتائب، فقد أظهر تحفظاً واضحاً على أي حلّ لهذا الملف في غياب رئيس للجمهورية.

يبلغ حجم الثروة النفطية في لبنان بحسب منظمة الـUSGS حوالي 1689 مليون برميل من النفط و 122378 بليون قدم مكعّبُ من الغاز و3075 مليون برميل من الغاز السائل كمعدّل وسطي. وتُشير الحسابات التي قمّنا بها الى أن بعض الآبار الغازية المُتواجدة في البلوكات ٥، ٨، و ٩ تتميّز بأحجام تفوق ٥ تريليون قدمّ مُكعب مع إحتمالات كبيرة جدا كما يُظهره الرسم.

هذا يعني أن هذه الثروة تُقدّر بأرقام خيالية تتخطى الـ ٢٠٠ مليار دولار أميركي كعائدات صافية للدولة اللبنانية (أخذنا في الحساب كلفة البنية التحتية، حصة الشركات، وأسعار الغاز الحالية – ICE).

ويبقى السؤال الأساسي عن المعوقات التي تمنع المضي في هذا الملف؟ هناك أسباب قانونية، وأخرى سياسية وإقتصادية.

الأسباب القانونية تتمحور حول مرسومي النفط اللذين يتضمنان مرسوم تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى رقع بحرية (بلوكات) ومرسوم شروط التلزيم كما والصندوق السيادي. مرسوما النفط في حاجة إلى إقرار من قبل مجلس الوزراء لكي يتمّ بدء المناقصات وتلزيم الشركات. لكن هذا الأمر يواجه رفض دولة رئيس مجلس الوزراء الذي يرفض إدراجه على جدول الأعمال.

أما في ما يخص الصندوق السيادي، فقد نصّ قانون النفط في البحر والذي أقرّ في العام ٢٠١٠ على أن تذهب مداخيل النفط والغاز إلى صندوق سيادي. هذا الأخير لم يتمّ إنشاءه بعد لأنه بحاجة إلى قانون. وبحسب تصريحات هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، تمّ إرسال مشروع قانون لهذا الصندوق إلى مجلس الوزراء وبالتالي فإنه يواجه نفس معضلة مرسومي النفط.

على الصعيد السياسي، تبقى مشكلة الحدود مع إسرائيل هي العائق الأول لبدء إستخراج النفط والغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان.

وهذا الأمر له تداعيات على شهية الشركات النفطية للإشتراك في المناقصات، فما تخشاه هذه الشركات هو التهديد العسكري الإسرائيلي الذي يُهدد المنشأت البحرية التابعة لهذه الشركات في حال كان هناك مواجهات عسكرية بين حزب الله وإسرائيل. من هذا المُنطلق، وفي غياب ضمانات من جهة إسرائيل بعدم التعدّي على هذه المُنشآت، لا يُمكن عملياً القيام بأي عملية تنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

أما مُشكلة الحدود البحرية مع سوريا، فلا تقلّ شأنًا عن المُشكلة مع إسرائيل، فإذا كان حجم المساحة التي قضمتها إسرائيل من المنطقة الاقتصادية الخالصة تبلغ ٨٤٠ كم٢، فإن حجم المساحة التي قضمتها سوريا في الشمال تفوق الـ ٩٠٠ كم٢ وهذا يعني عمليا إستحالة التنقيب في البلوكات الشمالية والجنوبية إلا إذا كان هناك ضمانات تقوم بإعطائها كل من الولايات المُتحدة الأميركية في الجنوب وروسيا في الشمال. وهذا يعني بكل بساطة أن السلطة السياسية فقدت إمكانية التصرّف الأحادي في منطقتها الاقتصادية الخالصة!

إقتصاديا هناك شركة نوبل إنرجي الأميركية التي تقوم بإستخراج الغاز من حقول إسرائيل الشمالية وشركة غاز بروم الروسية التي تقوم بالتنقيب عن الغاز والنفط في حقول سوريا الجنوبية، مما يعني أن مصالح هاتين الدولتين في النفط والغاز في الحوض الشرقي هي مصالح إستراتيجية.

وأكبر دليل على ذلك أن ٦٠٪ من الثروة المُستخرجة في سوريا ستذهب إلى شركة غاز بروم بحسب العقد الذي أبرمته الحكومة السورية مع الشركة الروسية. أيضًا وعلى الصعيد الاقتصادي، نرى أن حرب المصالح الداخلية ستؤخرّ هذا الملف.

فالشركات التي ستنُقّب عن الغاز والنفط لا تستطيع التنقيب بحسب مرسوم شروط التلزيم إلا من خلال كونسورتيوم. وهنا تكمن مصالح الأفرقاء بإشراك شركات لبنانية أو شركات أجنبية تابعة للبنانيين في العملية. لذا يظهر من التحليل أن كل صاحب مصلحة سيعمد إلى أن يكون موجودا في الكونسورتيوم الذي سيربح المُناقصة.

من هنا نستنتج أن هذا الملف يواجه عدة عقبات لا تقتصر فقط على البعد الداخلي، بل هناك أبعاد دولية وإقليمية. ولمعرفة إذا ما كان هذا الملف سيُقرّ في شهر أيلول المُقبل، هناك عدة مؤشرات نذكر منها:

أولاً: محتوى لائحة الأسماء الثانية التي ستصدر عن وزارة الخزانة الأميركية والتي تحوي أسماء الأشخاص والشركات التي ستطالها العقوبات. هذه اللائحة المُتوقع صدورها في شهر أيلول تُحدّد من محتواها مُستقبل الملف. فلائحة تتضمن أسماء ذات وزن إقتصادي تعني أن ملف النفط غير سالك، في حين أن لائحة تتضمن أسماء شبيهة باللائحة الأولى تعني أن الملف سالك دولياً.

ثانياً: إن المضي بملف النفط يعني أنه يجب خلق الصندوق السيادي وبالتالي يحتاج إلى قانون في مجلس النواب. هذا الأمر ليس بالسهل مع رفض المُستقبل والقوات والتيار للجلسات من دون قانون إنتخابي. أما الكتائب فترفض مبدأ التشريع بالمطلق في غياب رئيس للجمهورية إستناداً إلى الدستور.

في الختام، الوعود والآمال تبقى حلما يدغدغ مخيلة اللبناني الذي يعتقد أن إستخراج الغاز والنفط سيعالج أزمة دينه العام وسيُشكّل نقلة نوعية في حياته. هذه الأحلام تبقى مجرد أحلام لا يُمكن للطبقة السياسية اللبنانية وحدها تحقيقها من دون تدخل أجنبي سيفرض تطبيع العلاقات (ولو بشكل غير مباشر) مع إسرائيل وسوريا.