يجمع المتابعون على ان زيارة رئيس الوزراء البريطاني الى بيروت شكلت خرقا للحلقة المفرغة التي يدور فيها الوضع الداخلي اللبناني، خاصة انها جاءت في توقيت لافت، عشية الحديث عن «هجمة» غربية باتجاه لبنان، على خلفية ملف اللاجئين السوريين، بعدما ادار الغرب بشكل عام ظهره للمطالبات الرسمية اللبنانية بضرورة تقديم المساعدات للدولة اللبنانية للوفاء بالتزاماتها تجاه من استضافتهم على اراضيها، ما يفترض عمليا جلوس لبنان الى طاولة المفاوضات الدولية حول الازمة السورية، وارتباطا امكانات تسهيل ذلك للحلول المحلية، وفي مقدمها رئاسة الجمهورية التي يبدو انها حسمت لمصلحة ربطها بنضوج التسوية السورية.
واذا كان الهدف الابرز المعلن لزيارة كاميرون يندرج تحت عنوان ازمة النازحين السوريين وتفقد أوضاعهم ومخيماتهم، فان المشهد البانورامي الدولي والاقليمي والمحلي شكل محور نقاش لبناني – بريطاني في السراي، حيث اكدت مصادر وزارية ان الضيف البريطاني حمل دعماً سياسياً للبنان لمعالجة مشكلاته، قاصدا تأكيد دعم بلاده لرئيس الحكومة اللبنانية وخصوصاً في ظل الشغور الرئاسي، ممتدحا مقاربة سلام للازمات وحكمته في ادارة المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها البلاد، دون ان يطرح أي اقتراحات أو أفكار في شأن الأزمة السياسية، مكتفيا بعدد من الأسئلة عن الفراغ الرئاسي وأسبابه،منتهيا بالسؤال عما يمكن لبلاده أن تفعل في هذا الصدد، واعدا بمفاتحة الاميركيين في ما خص هذا الملف، مستفهما منه ما اذا كان سيبقى رئيسا للحكومة بعد انتخاب رئيس جديد.
كاميرون الذي غادر تاركاً وراءه مجموعة مواقف أطلقها، في زيارته التي احيطت بسرية تامة بعدما أنجِزت الترتيبات بشأنها يوم الجمعة الماضي مع فريق أمني بريطاني سرّي وصل الى لبنان يومها وتمركزت وحدات منه في البقاع وبيروت، كان مستمعا اكثر منه متكلما، مستفسرا عن عبء النازحين، مهتما لمعرفة وجهة النظر اللبنانية حول ما اذا كان تصاعد الدعم الروسي للنظام السوري ناجما عن قلق موسكو من انهياره أم أنها مقدمة لتغيير سياستها الخارجية بالكامل وصولاً الى التراجع عن الحل السياسي وفق صيغة جنيف المتوافق عليها دولياً، مستطلعاً الأوضاع اللبنانية،بحسب ما اشارت مصادر سياسية شاركت في اللقاءات التي شهدها السراي، كاشفة عن ان حصة لبنان من الـ95 مليون جنيه إسترليني المخصصة لدعم النازحين في لبنان والأردن وتركيا هي النصف، لمساعدته على تقديم ما يلزم من غذاء ودواء وماء وكلفة تعليم، وللحدّ من هجرة هؤلاء إلى أوروبا، حيث ستستقبل بريطانيا حوالى عشرة آلاف لاجئ من لبنان على مدى خمس سنوات، هرباً من الظروف المعيشية المعدومة في دول الجوار، لا سيما في لبنان والأردن والتي تعاني من مشكلات مالية وحياتية.
وفي هذا الاطار كشفت المعلومات ان لقاء المسؤول البريطاني مع قائد الجيش ركز على الاجراءات الاستباقية التي يتخذها الجيش لضبط الاوضاع في ظل تعاظم خطر اللاجئين، حيث اكد له العماد قهوجي، جهوزية المؤسسة لمواجهة اي طارئ في اطار خطة محكمة موضوعة تقوم على مداهمات دورية للمخيمات واماكن سكن النازحين، شارحاً الوضع الأمني في لبنان، والمواجهات التي تحصل عند الحدود الشرقية، ما حاز اعجاب كاميرون الذي هنأ الجيش على ادائه، مؤكدا تعزيز المساعدات المقدمة للقوات المسلحة اللبنانية في اطار برنامج التعاون المشترك، خصوصا في مجال مكافحة الارهاب ودعم الوحدات المنتشرة على الحدود مع سوريا شمالا وشرقا، مشددا على أن بلاده تعتبر مواجهة «داعش» وتمدد الإرهاب بسبب الأزمة السورية مسألة أساسية في المرحلة المقبلة.
هل تتحوّل قنبلة اللاجئين السوريين التي انفجرت عالمياً عنصر ضغط دولياً لسحب فتيل التأزّم السياسي في لبنان، وبلوغ تسوية تفرج عن الانتخابات الرئاسية المعلّقة منذ 25 مايو 2014 على حبْل الملفات المشتعلة في المنطقة؟ وهل ان الاندفاع الاوروبي المفاجئ والاستفاقة القوية على ملف اللاجئين السوريين نتاج هجمة هؤلاء على دول أوروبا لا سيما بعد حادثة وفاة الطفل ايلان الكردي التي صدمت العالم.