Site icon IMLebanon

قطبة مخفيَّة في التسوية بين المصارف و«حزب الله»؟

هل يمكن القول ان الستارة أقفلت على أزمة القانون الأميركي (Hifpa 2015) المتعلق بتجفيف مصادر تمويل حزب الله في العالم، من خلال التسوية المتمثلة في «الاعلام» الذي أصدره مصرف لبنان عبر هيئة التحقيق الخاصة، ام انها مجرد مرحلة في حقبة طويلة، قد نشهد فيها الكثير من التجاذبات والمواجهات على الساحة المالية؟

يرفض بعض المصرفيين تسمية ما حصل حتى الان في قضية تطبيق القانون الأميركي بأنها تسوية. ويعتبر هؤلاء ان ما جرى هو بمثابة تفهُّم للوقائع من جانب الولايات المتحدة للمصارف، وتفهّم من جانب الحزب في المقابل لموقف لمصارف.

لكن هذا التوصيف لا يبدو مقنعاً على اعتبار ان الولايات المتحدة الاميركية وحزب الله احتفظا لنفسيهما بهامش من المناورة قد تظهر مفاعيلها لاحقا. ومن خلال الوقائع يمكن الخروج بالاستنتاجات التالية:

اولا – ان مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر حسم الموقف حيال طريقة تطبيق القانون الاميركي. وهو اشاد بنية مصرف لبنان والمصارف اللبنانية تطبيق القانون، والأهم انه منح ضمانات الى ان الآلية التي جرى اعتمادها يمكن أن تحمي المصارف في حال تبين وجود خطأ. وقد يكون مجيء فريق من الخبراء الاميركيين الى البنك المركزي في اطار الورشة التي نظمها المصرف أخيرا، وتحدث فيها السفير الاميركي، يأتي ضمن التنسيق، مع هيئة التحقيق لتكون قادرة على تطبيق سليم للقانون.

لكن غلايزر يدرك ان المصرف المركزي واجه ضغوطات كبيرة دفعته الى اصدار ملحق تفسيري لتطبيق القانون، وبالتالي، فان واشنطن تعتبر ان هذه الضغوطات يمكن ان يمارسها الحزب في اي موقف في المستقبل، ومن ضمنها مثلا الضغط على هيئة التحقيق للتأثير في قراراتها.

ثانيا – ان اشكالية العلاقة مع المصارف المراسلة التي طرحتها المصارف منذ البداية لا تزال عالقة. هذه الاشكالية كانت قائمة من قبل القانون الاميركي، وكانت هناك محاولات لمعالجتها. حتى ان البعض اقترح اختصار التعاطي مع المصارف المراسلة بمجموعة ضيقة من المصارف اللبنانية الكبيرة القادرة على مراقبة اعمالها بفضل جهازها البشري والتقني، على ان تتولى هذه المصارف اللبنانية الموثوقة من قبل المصارف المراسلة مهمة

تسيير اعمال المصارف اللبنانية كافة، مقابل عمولة. هذا الواقع يدفع الى التساؤل كيف ستكون العلاقة اليوم بعد بدء تطبيق قانون (Hifpa 2015)؟

واذا كانت المصارف المراسلة بدأت تفكر في قطع العلاقة مع مصارف عربية ولبنانية على اساس دراسة الجدوى الاقتصادية، اذ ان ارباح المراسلة مع بعض المصارف المتوسطة والصغيرة كانت أقل من حجم المخاطرة، فهل تستطيع المصارف اللبنانية اليوم التعامل مع اكثر من مصرف مراسل تحسبا لأي أزمة طارئة؟ ألا يؤدي ذلك الى خفض حجم الاعمال التي ستوزّع على مصرفين او ثلاثة، وبالتالي، يزيد احتمالات قطع العلاقات بسبب تراجع مردود المصارف المراسلة؟

ثالثا – حزب الله الذي أوحى بأنه متفهّم لموقف المصارف، لم يحصل على ضمانات كافية، وهو يدرك ان المصارف عملت ما في وسعها لكن الاميركيين لن يتهاونوا في تطبيق قانون يتم الالتزام به في كل انحاء العالم.

في البداية، كان مطلب حزب الله ان يتم اعتماد آلية اجراء تحقيق داخلي في لبنان، تشمل الاسماء التي ترد على اللوائح السوداء الاميركية، لكنه يبدو اليوم وكأنه رضخ الى مبدأ الاقفال الفوري لأي حساب يرد على اللوائح الاميركية، وبات يكتفي بتطبيق آلية اجراء تحقيق على الحسابات التي تريد المصارف اقفالها وهي لا ترِد على اللوائح الاميركية.

السؤال، ماذا سيكون موقف حزب الله في حال توسعت اللوائح الاميركية بسرعة، وشملت مروحة واسعة من الاسماء؟ هل سيبقى موقف غض النظر قائما، ام انه قد يعيد حساباته في هذا الموقف؟ الملاحظ ان حزب الله، لم يعط بدوره ضمانة علنية في انه موافق على مبدأ الاقفال الفوري لحساب اي شخص يرد اسمه على اللوائح الاميركية.

بالاضافة الى هذه الاشكاليات القائمة، لا بد من مراعاة مبدأ انسياب التحويلات من والى لبنان. اذ يبدو ان البدء في تطبيق قانون اميركي ضد منظمة مُصنّفة ارهابية (حزب الله) مقرها الرئيسي وبيئتها الحاضنة في لبنان، بدأ ينعكس صعوبة وتعقيدات في التحويلات. هذا التطوّر قد يضرّ بواقع الاعمال، خصوصا بالنسبة الى المؤسسات التي قد تستعجل الانتقال من بيروت الى مكان تكون فيه التحويلات اسهل.

كما أن نتائج الفصل الاول في نمو الودائع المصرفية تعكس تراجعا ينبغي أخذه في الاعتبار. ولا بد أيضا، من الاشارة الى التكلفة الاضافية التي تصيب المصارف جراء اقفال الحسابات، والاضطرار الى زيادة عمولة المصارف المراسلة في حال قرر المصرف التعامل مع اكثر من مصرف. ومع تراجع الحركة الاقتصادية في الداخل، وبدء طرح مشكلة دين القطاع الخاص، بعدما كانت الاشكالية تركّز فقط على الدين العام، كل هذه المعطيات الضاغطة ستجعل المصارف اللبنانية امام تحديات اضافية في الايام المقبلة.