Site icon IMLebanon

اخفاء الإمام الصدر  لم يعد لغزاً…

ظهر يوم الخميس في الحادي والثلاثين من شهر آب / أغسطس ١٩٧٨، شوهد سماحة الإمام موسى الصدر ردّ الله غيبته مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والزميل الصحافي عباس بدر الدين في ليبيا، للمرة الأخيرة. وبعد انقطاع الاتصال بالإمام واختفاء آثارهم منذ ذلك الحين، انفجر دوي عالمي لهذا الاختفاء فضلاً عن لبنان والعالمين العربي والاسلامي. ومنذ ذلك الحين والى يومنا هذا، لا يزال الانطباع العام يصور هذا الحدث المدوي على انه لغز لم يجد حلاً الى يومنا هذا… كان السيد موسى الصدر في السابعة والأربعين من العمر عندما عاد الى أرض الأجداد في العام ١٩٥٥. وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاماً، أطلق خطاباً تنويرياً تجاوزت أصداؤه حدود الوطن اللبناني الى العالمين الاسلامي والمسيحي، وسمع العالم، من عالم اسلامي لبناني، خطاباً مغايراً ومعاكساً ومناهضاً ويشكّل خطراً باستنهاضه لشعوب هذه المنطقة ضد كل السياسات الدولية الاستعمارية والصهيونية ومخططاتها المعدّة للتنفيذ في لبنان والعالمين العربي والاسلامي.

***

كان الرأي العام في الداخل والخارج قد اعتاد على رؤية كبار رجال الدين الاسلامي مسبوقين بلقب الداعية الاسلامي، وبخطاب لا يجافي كثيراً آثار الفتنة الكبرى في الاسلام والمستمرة الى يومنا هذا، بين السنّة والشيعة، وفي داخل المذاهب الاسلامية نفسها. ظهر الإمام موسى الصدر في لبنان والى لحظة اختفائه، كشهاب تنويري ساطع الاضاءة وكرجل دين مسلم، ظهر ك داعية انساني يمثل العودة الى صفاء اللحظة التي ظهرت فيها الديانات السماوية كهدى للعالمين، ورسالة سلام ومحبّة للبشر، دون تفرقة في الدين والعرق واللون. كانت الرسالة التي حملها وبشّر بها الإمام موسى الصدر، هي تكامل الحضارات بدلاً من صدام الحضارات كما في الثقافة الصهيونية والامبريالية. اخترق موسى الصدر كل الحدود المصطنعة – سياسياً وثقافياً – وقاد حوار الوحدة الاسلامية مع الشهيد المفتي حسن خالد، وصلّى وبثّ رسالته من الكنائس، وزار البلدان العربية من القاهرة الى السعودية وغيرهما من العواصم، وكانت زيارته الى ليبيا في اطار سعيه لاطفاء نيران الحرب اللبنانية التي اندلعت في ١٣ نيسان / ابريل ١٩٧٥.

***

خطاب الداعية الانساني موسى الصدر قوبل بتجاوب واسع النطاق في لبنان وفي العالمين العربي والاسلامي. وكان هذا الحدث مفزعاً للدوائر الاستخبارية في الغرب الاستعماري المتصهين ووجدت فيه تهديداً لمخططاتها التي كانت تعد للعرب والمسلمين الوصول الى ما وصلوا اليه اليوم بعد ظروف اخفاء الإمام… ذلك ان استمرار وجوده على الساحة بكل إشعاع جاذبيته الجماهيرية وكاريزمته، كان من شأنه ان يقطع الطريق ويفشل كل المؤامرة طويلة المدى وذات المراحل. وعندما ندرك هذه الحقيقة نعرف السبب الحقيقي لاخفاء الإمام، والفاعل الحقيقي المستتر وراء الاختفاء، وتتضح بذلك معالم اللغز…

***

أسس الإمام الصدر مقراً للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية، لا يبعد سوى بضع مئات الأمتار حيث كنت أعمل في دار الصيّاد وكان للرئيس نبيه بري دور في التأسيس الى جانب الإمام، يستحق وقفة خاصة. وحشد الإمام إجماعاً عزّ نظيره حوله لإتمام التأسيس وكان في عدادهم سماحة الشيخ عبدالأمير قبلان نائب رئيس المجلس حالياً، ونقرأ اليوم لسماحة الشيخ أحمد قبلان المفتي الجعفري الممتاز، في ذكرى إخفاء الإمام: … ولأنه موسى الصدر فقد وظّف العدل القيمي للانسان بعيداً عن دينه مسيحياً كان أو مسلماً أم لا دين له، وأكد الصيغة للدولة كأساس لشرعيتها…. الجوار بين مقر المجلس ودار الصيّاد حيث أعمل جعل التواصل مستمراً مع الإمام…

***

في المؤتمر التأسيسي الأول لحركة المحرومين، ألقى الإمام موسى الصدر كلمة طويلة من جزأين، في مؤسسة جبل عامل المهنية في برج الشمالي بتاريخ ٢٨/٥/١٩٧٦، وشرفني بما جاء فيها بقول سماحته أتذكر صديقاً صحافياً لنا – غائباً اليوم – اسمه الأستاذ رؤوف شحوري – مدير صحيفة القبس الكويتية. كان يقول في خطاب معروف أنقلها بأمانة، كان يقول: نحن خرجنا من قرية الدوير، كل منّا كان يريد أن يغيّر العالم بما فيه فكنّا نقوم بتظاهرات لاسقاط حكم الفاشية في اسبانيا وللافراج عن الروزنبرغ الجواسيس الأميركيين الشيوعيين … أنا المحروم المحتاج الى عمران قريتي ومياهي وكهربائي… وقد أورد سماحة الإمام فقرة طويلة من هذا الاقتباس… هكذا كان وهكذا لا يزال الإمام موسى الصدر مشعاً بيننا بفكره ورسالته ك… داعية انساني، يرسم للجميع بالأمس واليوم وغداً، طريق الخلاص.