Site icon IMLebanon

الديون المرتفعة سبب للإرهاب

يتفشى الارهاب والعنف عالميا في كل القارات. هناك تفسيرات لهذه الظاهرة المتجددة، لكن الامر المؤكد المشترك هو ما ينتج منها، أي القتل والدمار والموت والفقر. يرتفع الارهاب بالتزامن مع تردي الاوضاع الاقتصادية، بما فيها ارتفاع البطالة والديون العامة. هناك اجماع اليوم حول الفوائد الاقتصادية للعولمة ولانفتاح الاقتصادات كما لتحرير الاسواق، انما هنالك خوف ايضا من توسع فجوتي الدخل والثروة، وبالتالي من نتائجهما على الاستقرارين الاجتماعي والامني.

أكثرية الدول النامية والناشئة اقترضت لتمول استثماراتها وتحقق النمو. تحقق بعضه أحيانا، ولم يتحقق مرات اخرى بسبب سوء التنفيذ والفساد، كما بسبب اختيار المسؤولين مشاريع غير فضلى وغير مدروسة بل مربحة لجيوبهم. الحقيقة أن المقرضين والمنفذين للمشاريع معظمهم أتوا من الدول الصناعية، أفادوا أكثر من مواطني الدول النامية والناشئة. هكذا ساهمت قروض الدول النامية والناشئة في تعزيز الاقتصادات الغربية وفي زيادة ربحية الشركات المنفذة وزيادة ثروات أصحابها، كما في زيادة ثروات اصحاب القرار في الدول المستقبلة للاستثمارات. هناك حقيقة محزنة هي ان مواطني الدول النامية والناشئة حصلوا على الديون التي أفادت دولا أخرى، معظمها غربية، الى مجموعات صغيرة داخلها.

ارتفاع الاستدانة يعني ان موازنات الدول النامية والناشئة تصبح غير صحية ومثقلة بخدمة الدين العام، وبالتالي تحرم الشعوب من فرص الانفاق على الصحة والتعليم والغذاء والبنية التحتية الضرورية لتطوير الاقتصادات. هناك مشكلة تكمن في محدودية اهداف هذه القروض، بما فيها قروض التنمية، التي تنظر فقط الى الجانب المالي من دون النظر الى انعكاسها على الاجتماع والامن والاستقرار. الاقتصاديان المعروفان جو ستيغليتز ووليم ايسترلي أشارا مرارا الى هذا الخلل، وكان نصيبهما الخروج من المؤسسات الدولية التي كانا يعملان فيها. ما تقوم به مؤسسات الاقراض الدولية ايضا هي التوقعات المتفائلة التي تشجع الدول النامية والناشئة على الاقتراض. يأخذنا العجب في لبنان مثلا، وفي أسوأ الظروف التي نعيش، ان تقوم المؤسسات الدولية بتوقع نسب نمو مرتفعة للسنوات المقبلة، علماً ان الاستثمارات غائبة والاوضاع الادارية والحكومية في أسوأ حال. اصدار توقعات متفائلة يعطي أملا في المستقبل، وهذا جيد، إلا أنه في الوقت عينه يشجع الحكومات على التهور والمبالغة في الاقتراض لتمويل مشاريع وسياسات وقطاعات مكلفة وغير مجدية.

هناك توقعات أخرى تبنى على مشاريع نظرية، اذا نفذت تحقق النمو القوي. ما هي النتيجة؟ قيام الحكومات بالاقتراض لتنفيذ هذه المشاريع التي لا تلبي أحيانا حاجات الدول المقترضة، بل مصالح ضيقة، مما يساهم في رفع مستوى الدين العام والارتباط بالخارج أكثر فأكثر. هناك حقيقة تميز استعمار اليوم عن السابق. في القرون الماضية، بنيت الامبراطوريات عبر الحروب والاحتلالات من الدول الغنية تجاه الضعيفة والفقيرة، أما اليوم فتبنى عبر الاقتصاد والديون، لكن النتيجة واحدة، أي الارتهان للممول، أو عملياً للمستعمر، وإن يكن بأشكال مختلفة.

ان الدول المقترضة تبقى أسيرة الدولة المقرضة، وهذا ما يتجلى اليوم في الصراع العالمي حول اليونان. ما يدعو للعجب هو أن دولة صغيرة كاليونان تشغل العالم من ناحيتي ديونهاومستقبلها، اذ يريد المقرضون أن تكون تجربتها عبرة لمن اعتبر. اقراض الدول النامية والناشئة أموالاً كبيرة يعني عملياً تسليم قراراتها الوطنية لسنوات، وربما لعقود، للمقرضين من مؤسسات ودول ومصارف وصناديق. ضمن هذا المنطق، كلما ارتفعت الديون زاد الارتهان للخارج، وكلما أفادت المؤسسات المقرضة بالتعاون مع شركاء الداخل الذين يبذلون كل الجهد للاستمرار في الافادة من الوضع السيّئ. هناك أيضاً تمويل في الداخل يحصل من المستفيدين من القروض لمؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية والخيرية للحصول على تأييدها وتبييض صورتها لهدف الاستمرار في جني الأرباح الكبيرة.

تبعاً للمعارضين للقروض الخارجية، فإنها تهدف في رأيهم الى المس بالبيئة والغابات والمناطق الريفية والزراعية، وبالتالي الى تشويه الدول النامية والناشئة في سبيل جني الأرباح الكبيرة. ما الذي ينتج من هذه الممارسات غير الرفض والعنف والشعور بالغبن الذي يولد النقمة والاعتراض وربما الارهاب والتطرّف؟ يقول “بركينز” أن من يقاوم المشاريع الخارجية والقروض التي ترافقها يهزم. هذا لا يعني أن القروض الخارجية كلها سيئة، بل على العكس هنالك قروض تصرف في الأمكنة المناسبة وتحقق النمو والمنافع للمواطن والاقتصاد. المطلوب التنبه الى نوعية القروض وكمياتها وأهدافها، بحيث لا تضر بالدول المقترضة لمصلحة المقرضين في الخارج وحلفائهم في الداخل. هنا تكمن أهمية وجود أشخاص نزهاء يتمتعون بالكفاية والخبرة ليقودوا حكومات الدول النامية والناشئة كي لا يكونوا ضحايا الجشع الداخلي والخارجي. لا يمكن مقاومة العنف الحاصل دولياً من دون إعادة نظر في كيفية انفاق أموال التنمية بحيث يفيد منها المواطنون العاديون والفقراء تحديداً. لا يمكن مقاومة الإرهاب والعنف بالقوة فحسب، بل بالاقتصاد والمال والتنمية.