يتوقع أن ينعكس ارتفاع أسعار النفط العالمية سلباً على لبنان الذي يستورد البنزين والفيول والمازوت من الخارج بقيمة تتجاوز 4 مليارات دولار سنوياً (بأسعار 2018). وهذا الأمر سينعكس على لبنان على ثلاثة مسارات: الأول يتعلق بتحويلات المغتربين التي يعد أحد محفزاتها الأساسية في دول الخليج، أسعار النفط وقدرة هذه الدول على الاستمرار في الإنفاق على المشاريع الاستثمارية، والمسار الثاني يتعلق بأسعار المشتقات النفطية المبيعة في السوق المحلية وأثرها على استهلاك الأسر المقيمة في لبنان، والمسار الثالث يتعلق بالأثر السلبي الذي ستتركه على عجز المالية العامة وتحويلات الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان.
في الواقع، كانت أسعار النفط المرتفعة تشكّل خبراً إيجابياً لاقتصاد لبنان وخصوصاً استمرارية النموذج الحالي الذي يتغذى على التدفقات من الخارج بالعملات الأجنبية. السبب يكمن في أن تحويلات المغتربين العاملين في الخليج تشكّل جزءاً أساسياً من التحويلات التي يتلقاها لبنان. عام 2017، صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لوكالة «بلومبيرغ» متوقعاً أن تبلغ قيمة تحويلات المغتربين 8 مليارات دولار منها نحو مليار دولار يأتي من دول الخليج. يومها أوضح سلامة أن «هذه الأرقام كانت أعلى، لكنها انخفضت بسبب تراجع أسعار النفط»، ما يدلّ بوضوح على وجود علاقة مباشرة بين أسعار النفط وتحويلات المغتربين. «إلا أنه في الحالة الراهنة، أي ارتفاع أسعار النفط بسبب الضربات التي تلقتها السعودية، سيكون الأثر مختلفاً بالنسبة إلى المغتربين العاملين في السعودية»، يقول أحد الخبراء. فالسعودية خسرت مبيعات كبيرة من النفط يومياً، وهي مضطرة إلى أن تنفق ملايين الدولارات لاستيعاب نتائج الضربات وصيانة المنشآت النفطية تمهيداً لإعادة وضعها قيد الخدمة، ما يعني مزيداً من الكلفة. وإضافة إلى ذلك، هناك الأثر النفسي الناتج عن ارتفاع قدرة اليمنيين على إصابة منشآت نفطية في السعودية، ما سيترك المجال مفتوحاً أمام الكثير من المضاربات في الأسعار العالمية، فيما سيبقى النزف المالي السعودي قائماً ويستجرّ معه استنزافاً مالياً من مجموعة دول الخليج المشاركة في الحرب ضد اليمن… كل هذه العوامل قد يكون أثرها سلبياً على تحويلات المغتربين العاملين في دول الخليج، علماً بأن بعض المراجع السياسيين يشيرون إلى وجود تراجع كبير في تحويلات المغتربين هذه السنة.
تشكّل المشتقات النفطية المستوردة نحو 20% من مجمل المستوردات
محلياً، لبنان يستهلك مشتقات نفطية مستوردة بأكثر من 4 مليارات دولار سنوياً. هناك جزء من هذه المشتقات معدّ لاستهلاك الأسر ومؤسسات القطاع الخاص، وهناك جزء آخر مستورد بهدف تشغيل معامل إنتاج الكهرباء. في الشق الأول، إن ارتفاع أسعار النفط العالمية سيكون له أثر سلبي بالغ على ميزانيات الأسر التي ستتآكل بفعل أسعار البنزين وعدم وجود بديل للتنقل، إضافة إلى ارتفاع سعر المازوت، ما يعني ارتفاع كلفة اشتراكات المولدات التي تنتج الكهرباء. كما ستتأثّر هذه الأسر بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تشكّل المشتقات النفطية جزءاً من كلفة إنتاجها، وهذا الأمر قد يشمل على سبيل المثال نقل البضائع… فالمعروف أن القطاع الخاص والمؤسسات التجارية ستحمّلان السلع المبيعة منها أي زيادة تطرأ على كلفة الإنتاج أو الخدمات التي تقدمها.
كذلك، فإن كلفة إنتاج الكهرباء ستزداد في حال ارتفعت أسعار النفط العالمية. في هذه السنة، حوّلت الخزينة مبلغ 2500 مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لسداد ثمن استيراد المحروقات اللازمة لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء. وفي مشروع موازنة 2020، أدرج بند يشير إلى أن سقف التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان سيكون 1500 مليار ليرة على اعتبار أن هناك توجهاً لزيادة تعرفة الكهرباء المبنية على أساس سعر برميل النفط بقيمة 20 دولاراً… وبالتالي فإنه في كلتا الحالتين، سيدفع المستهلك ثمن هذا الارتفاع في السعر، سواء من خلال رفع تعرفة الكهرباء أو من خلال زيادة قيمة التحويلات من الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، أي زيادة قيمة التحويل من المال العام إلى مؤسسة كهرباء لبنان.
وتشكّل أسعار النفط جزءاً أساسياً من أزمة نزف الدولارات التي يعاني منها مصرف لبنان حالياً. فإذا كان لبنان يستورد سنوياً بقيمة 4 مليارات دولار مشتقات نفطية، فإن هذا الأمر يحتّم عليه أن يموّل هذه الواردات بالعملات الأجنبية التي يحصل عليها اليوم بصعوبة بالغة وبكلفة باهظة. تشكّل المشتقات النفطية المستوردة نحو 20% من مجمل المستوردات، وتشكّل قيمتها بالعملات الأجنبية أكثر من 17% من حاجات لبنان بالعملة الأجنبية.