IMLebanon

الفوائد المرتفعة خطّ دفاع أخير لمنع هروب الرساميل

 

باتت الفوائد المصرفية المرتفعة تشكّل عبئاً على الاقتصاد، وخشبة خلاص للوضع المالي النقدي. ورغم أنها تخنق الشركات وتقوّض أعمالها، فهي تساهم اليوم في منع الودائع المصرفية من الخروج من لبنان.

تستمرّ جمعية المصارف برفع معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت، حيث أوصت المصارف التجارية برفع فائدة Beirut Reference Rate (BRR) بالدولار الأميركي، 5 نقاط أساس الى 8,63 في المئة بدءاً من 1 شباط 2019، وبرفع الفائدة المرجعية بالليرة اللبنانية 4 نقاط أساس الى 11,94 في المئة.

تأتي هذه الارتفاعات المستمرّة لتواكب الاوضاع المالية والاقتصادية المتردّية، التي فرضت على القطاع المصرفي أن يكون متأهّباً وأن يسارع الى اتّخاذ خطوات للسيطرة على العملة الأجنبية ومنعها من الهروب خارج لبنان، ولو حتّى على حساب أرباح المصارف التي تقلّصت بشكل تلقائي، لأنه بات من الصعب اجتذابُ أموال كافية لتمويل عجز الموازنة والعجز التجاري، في ضوء تباطؤ نموّ الودائع.

وقد أدّت هذه السياسة الدفاعية الى رفع الفوائد الى مستويات قياسية:

– أوّلاً، على الليرة اللبنانية من أجل إغراء المودعين وردعهم من تحويل ودائعهم الى الدولار والمحافظة بالتالي على قيمة الليرة اللبناينة.

– ثانياً، على الدولار الأميركي من أجل إغراء المودعين ومنعهم من تهريب أموالهم الى الخارج، بالاضافة الى محاولة جذب ودائع جديدة بفوائد أعلى من فوائد الدول المجاورة.

وقال أحد المصرفيين لـ»الجمهورية» في هذا الاطار، إنّ الفوائد المرتفعة «كربَجَت» الاقتصاد وسحبت السيولة بالدولار من الأسواق، بهدف تأمين احتياطي كبير من العملة الصعبة تحسّباً لحصول أيّ طارئ.

وأعطى مثالاً على سلبيات الفوائد المرتفعة اليوم، قائلاً إنّ أيَّ صاحب عمل يبلغ مردوده على رأسماله 5 في المئة، من الافضل له إغلاق مؤسسته وتسريح الموظفين والاستفادة من مردود يبلغ 15 في المئة على الودائع المصرفية.

ورغم أنّ سياسة رفع أسعار الفوائد قلّصت أرباح المصارف، إلّا أنها أفادت المودعين من جهة وأصابتهم بأضرار اقتصادية من جهة أخرى، حيث أصابت الاقتصاد بشلل وجمود وصعّبت عمليات الاقتراض الى حدّ الانعدام.

حتّى القروض القديمة، ارتفعت الفوائد عليها تلقائياً مع رفع معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت، ليرتفع معدلُ الفوائد على قروض الشركات من حوالى 8 الى 10 في المئة، ممّا زاد الأعباء التشغيلية على المؤسسات.

وفي ظلّ الوضع الراهن، تتحفّظ المصارف عن الإقراض، وتعمد الى الإقراض بالدولار الأميركي حصراً، تفادياً لأيّ خسائر قد تُصيبها في حال تمّ تعديلُ سعر صرف الليرة اللبنانية.

ويقوم أحد المصارف حالياً، باتّباع هذه السياسة الاحترازية، عبر تشجيع المودعين على تحويل ودائعهم من الليرة الى الدولار من دون أيّ كلفة.
مفاعيل هيكلة الدين العام

بالنسبة لتداعيات الجمود الاقتصادي والشلل السياسي، والتي أجّجتها أخيراً تصاريح وزير المالية، قال المصرفي، «إنّ خروج رؤوس الأموال من لبنان أمر قائم ولكن ليس بكمّيات كبيرة تدفع الى القلق». وأوضح أنّ بعض المودعين يعمد الى سحب جزء بسيط من أمواله لإيداعه في الخارج الى حين استقرار الاوضاع في لبنان، وذلك تحسّباً لحصول أيّ مفاجآت سلبية.

وشدّد المصرفيّ على أنّ سندات اليوروبوند هي التي تأثرت بشكل كبير من تصريحات خليل وشهدت عمليات بيع مكثّفة الأسبوع الماضي، لكنّ الاضطرابات زالت من الأسواق، وجنت سندات لبنان السيادية المقوَّمة بالدولار بعض المكاسب رغم أنها لم تعد بعد الى اسعارها الطبيعية. واعتبر أنّ تلك التصريحات أثارت حالَ ذعر «لزوم ما لا يلزم»، «لكننا عمَدنا الى التواصل مع المودعين وحمَلة الأسهم وتطمينهم بأنّ أيَّ إجراء قد يُتّخذ لهيكلة الدين العام لن يتعدّى تمديد آجال السندات».

واشار المصرفي الى أنّ مَن ينوي هيكلة الدين العام أو الاقتطاع مِن قيمة السندات haircut، لا يقوم بالاعلان عن هذا الامر، «ففي قبرص، استفاق حملة الأسهم ليكتشفوا أنه تمّ اقتطاع 50 في المئة من قيمة السندات السيادية التي يحملونها. وذلك تفادياً لخروج الأموال في حال الإعلان عن هكذا إجراء».

وقال: في حال تمّ اتخاذ القرار باقتطاع 50% من قيمة السندات، فإنّ ذلك لا يمكن أن ينجح في تقليص حجم الدين العام في لبنان، إن لم يتم وضع حدّ للفساد والهدر والسرقات، لأنه في غضون 5 سنوات سيعود الدين العام الى الارتفاع الى 100 مليار دولار.

أضاف: لا يمكن التلاعب من خلال تصاريح السياسيين بأيّ شكل من الاشكال في الودائع المصرفية لأنّ تباطؤ تدفقات التحويلات / الودائع، يأتي في قلب المخاوف من إمكانية التخلّف عن تسديد الدين العام.

التحويلات بالليرة 
وحول قرار المصرف المركزي، تسديد قيمة التحاويل النقدية الإلكترونية من الخارج بالليرة اللبنانية حصراً، أكد المصرفيّ أنّ هذا القرار لا علاقة له بمكافحة تبييض الأموال كما قيل، بل إنه الخطوة السلبية الأولى ضمن سلسلة خطوات قد تليها من أجل السيطرة على العملة الصعبة، وهي بمثابة جرس إنذار حول دقّة وحراجة الوضع الحالي.

في الختام، شدّد المصرفيّ على أنّ «تشكيل الحكومة والانطلاق بالإصلاحات بات ضرورة قصوى من اجل الاستفادة من أموال «سيدر» وجذب الاستثمارات وتشجيع التدفقات التي يعتمد عليها النظام».