يحبس اللبنانيون أنفاسهم بانتظار الأحد ما بعد المقبل الواقع فيه السادس من شهر أيار 2018. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تُـجرى فيها الإنتخابات النيابية. فهذا الوطن عريق بديموقراطيته وبانتخاباته النيابية العامّة والفرعية بالرغم ممّا يشوبها من ثغرات. ولكن الإنتخابات الآتية بعد نحو أحد عشر يوماً تحمل في طياتها جديداً بكل ما للكلمة من معنى.
ليس بالأمر العادي أن تُـجرى الإنتخابات على القاعدة النسبية. لقد اعتدنا على «الأكثري» قانوناً للإنتخابات. تبدّلت الدوائر في الجغرافيا والمضمون، ولكن على الأكثري. تبدّلت التحالفات، جرى جمع ما لا يمكن جمعه (بشرّي مع الضنية…) وجرى فصل ما لا يتوقع فصله (الإقليم عن الشوف) الخ… ولكن دائماً تحت رعاية القانون الأكثري.
وفي الأكثري تبدّل عدد النواب من 44 نائباً الى 66 الى 99 الى 128 (والحبل ع الجرّار) ولكن بالقانون الأكثري.
ومنذ أكثر من 70 عاماً والنسبية هي مطلب لدى أطراف وفئات وقيادات وأحزاب وزعامات، ولكن عبثاً فلم يكن الأمر وارداً… لأنّ النواب الذين وصلوا الى ساحة النجمة بأكثرية الأصوات لم يستحسنوا أن تكون النسبية قاعدة للإنتخابات.
وكذلك أركان البوسطات لم يستسيغوا الأمر. الى أن جاء عهد الرئيس العماد ميشال عون، فكانت هذه الخطوة التي يجب الإعتراف بأنها ستفسح في المجال أمام وصول من لم يكن ممكناً وصولهم الى النيابة بالقانون الأكثري، الذي يُسجل (له أو عليه) أن نائباً في قضاء بعبدا إنتخب ذات يوم نائباً بأكثرية صوت واحد. أجل صوت ناخب واحد لا أكثر (تفوق به على منافسه) بين عشرات آلاف الأصوات.
والنسبية ستبيّن حقيقة كل مرشح (أحزاباً وأفراداً) فالمرشح سيسجل الأصوات الحقيقية التي تُـحسب له، لا أكثر ولا أقل، وهذه آية النسبية.
الجديد الآخر الذي لا يثير الإعتراضات وحسب، إنما يثير أيضاً القلق ويرفع «نسبة» التوتر هو الصوت التفضيلي الذي يكاد القوم أن يجمعوا على كيل الشتائم له وانزال اللعنات عليه في المقابلات والبيانات والتصريحات والمقالات… يتساوى في ذلك من يعرف ومن لا يعرف (…).
والجديد الثالث هو هذه التحالفات الإنتخابية الهجينة التي يبدو كأنها آتية من عالم آخر. خصوصاً التحالفات بين المتناقضين في كل شيء تقريباً، وعلى الأخص تلك التي تمّت في ما لا يمكن فهمه: هنا يتحالف الطرفان، وفي دائرة ثانية يتنافسان بحدّة، وفي دائرة ثالثة يتحالف كل طرف منهما مع طرف آخر… في مشهد يصح فيه الوصف بـ اللوحة «السوريالية» (غير الواقعية) التي يتعذّر على جهابذة علماء القانون أن يفكوا رموزها.
من هنا يُفهم هذان القلق والتوتر اللذان ارتفعت نسبتهما لدى المرشحين والناخبين على حد سواء… وهو ما يدعو اللبنانيين لأن يضعوا أيديهم على قلوبهم حتى ما بعد إنتهاء العمليات الإنتخابية.