IMLebanon

«التوتر العالي» في المنصورية: «وصلة» مُعلّقة منذ 20 عاماً

 

توقفت أعمال تمديد خطوط التوتر العالي في منطقة المنصورية ــ عين سعادة، على نحو جزئي، «إلى حين التوصل إلى حلول علمية مع الأهالي». ينضمّ هذا التعليق المؤقت للأعمال إلى «إجراءات» مماثلة، انتزعها أهالي المنطقة خلال السنوات الماضية، ونجحوا عبرها في عرقلة تنفيذ المشروع، الذي يعود الى عام 1997. في هذا الوقت، تبرز الحاجة الى تمديد هذه الخطوط في الوقت الراهن، بحسب القيّمين على المشروع، مع بروز خطة الكهرباء الجديدة التي تهدف إلى زيادة الإنتاج، على اعتبار أن «وصلة المنصورية» هي ضمن الشبكة الأساسية التي تربط معامل الإنتاج

 

بعد سلسلة من التحرّكات الرافضة لتمديد خطوط التوتر العالي في منطقة المنصورية ــ عين سعادة، التي نظّمها أهالي المنطقة خلال الأسبوع الفائت، تقرّر مجدداً وقف الأعمال جزئياً الى حين التوصل الى حلول علمية يوافق عليها الأهالي من جهة، ووزارة الطاقة ومؤسسة «كهرباء لبنان» من جهة أُخرى. الإعلان عن توقيف الأعمال الجزئي، جاء عقب اجتماع «تصالحي» عقده النائب ابراهيم كنعان في دارته تم البحث خلاله بالحلول الممكنة، بعد «صدامات» بين الأهالي والقيّمين على مشروع «وصلة المنصورية».

وصلة ضرورية

يعود مشروع «وصلة المنصورية» إلى عام 1997، وهو جزء من خطة متكاملة لتوزيع الكهرباء في لبنان. يقول القيّمون على المشروع إن هذه «الوصلة» تُعدّ «الحلقة المفقودة» ضمن «السلسلة المتكاملة لإنتاج الكهرباء في لبنان»، وإنها ضمن الشبكة الأساسية التي تربط معامل الإنتاج، وبالتالي «إن استكمالها يُعدّ ضرورياً لتفادي أي خلل قد يحدث لشبكة التوزيع».

طوال السنوات المُنصرمة، نجحت تحرّكات الأهالي في «عرقلة» استكمال هذه «الوصلة»، بسبب تخوّفهم من تمديد خطوط التوتر العالي في الهواء، إلا أن هذا المشروع يعود حالياً الى الواجهة بعد مضيّ نحو عشرين عاماً على «عُمره» بسبب خطة الكهرباء الجديدة، التي تهدف الى زيادة عدد ساعات التغذية، وبالتالي تطلّبها استكمال هذه الوصلة.

حتى الآن، لا يزال الأهالي مُصرّين على موقفهم الرافض لتمديد الخطوط في الهواء، متخوفين من تداعياتها على سلامتهم وسلامة أبنائهم، ومُطالبين بطمر هذه الخطوط تحت الأرض. فيما ترى كل من وزارة الطاقة و»كهرباء لبنان» أن كيفية تمديد هذه الخطوط تراعي المعايير الأوروبية للحفاظ على السلامة العامة، وأن هذه الوصلة هي جزء من شبكة الـ 220 التي تمر بكل المناطق اللبنانية، «وإذا ما طمرنا هذه الخطوط في هذه المنطقة دون غيرها، فماذا سنقول لبقية المناطق؟»، وفق ما تقول مصادر «كهرباء لبنان». تُشير الأخيرة الى أن اعتماد طمر الخطوط في هذه المنطقة دون غيرها يُشرّع اللامساواة بين المواطنين وينمّ عن «استنسابية» في التعاطي معهم، فضلاً عن أنه يخلق شعوراً لدى المواطنين في بقية المناطق بأن هناك فعلاً خطراً موجوداً في مناطقهم، «وهو أمرٌ غير صحيح».

لماذا الإصرار؟

يقول مُستشار وزير الطاقة غسان خوري لـ»الأخبار» إن الخطة الجديدة للكهرباء تستلزم استكمال الوصلة، «لأن عدم استكمالها يعني أن هناك خللاً سيصيب الشبكة على مستوى المتن الشمالي»، على اعتبار أن هذا الخط يُغذّي محطّة المكلّس التي توزّع بدورها على بقية المناطق.

يلفت خوري الى أن أي تغيير في طريقة تنفيذ هذه الخطة يعني نسفها، لافتاً الى أن إنشاء محطات تحويل تحت الأرض «غير قابلة للتطبيق في الوضع الحالي»، ومُشيراً إلى أن هناك لجنة درست المعايير الواجب اعتمادها، والوزارة ملتزمة بهذه المعايير.

ماذا عن الأهالي الذين يؤكدون أنهم معرضون جدياً للخطر؟ يقول خوري إن مجلس الوزراء سبق أن اتّخذ قراراً بشراء الشقق التي تمر بها هذه الخطوط بسعر التخمين الحالي، كخطوة منه لحلّ المُشكلة، إلا أن الأهالي يجدون في هذا الحل «تهجيراً يُمارس ضدّهم».

يُشير خوري الى أن نحو 90% من البيوت والشقق السكنية، التي تمر فوقها خطوط المشروع، شيّدت بعد عام 2000، «بمعنى أن المُقيمين الذين شيّدوا بيوتهم أو اشتروها كانوا على علم بالمشروع، ما يدحض تهمة التهجير والغبن». ويلفت خوري الى أن البلديات المعنية موافقة على المشروع، وهناك قلة من الأهالي المتخوفين جدياً من تداعيات المشروع. هؤلاء، بحسب خوري، يتحرّكون بفعل توجيهات سياسية تهدف الى الكيدية.

أضرار قوم عند قوم فوائد

استكمال الوصلة يحلّ مُشكلة التصريف من معمل دير عمار إلى منطقة جبل لبنان

في هذا الوقت، تتسلّح «كهرباء لبنان» بمُعطيات عدّة لتبرير الإصرار على استكمال «وصلة المنصورية»، نظراً إلى أهميتها التقنية على مستوى زيادة عدد ساعات التغذية، التي تعود بالفائدة على مناطق عدة مختلفة في لبنان.

تُفنّد مصادر في «كهرباء لبنان» مهمة تنفيذ وصلة المنصورية على مستويات عدّة، تبدأ على مستوى شبكة النقل (التوتر العالي)، وتُشير الى أن استعمال هذه الوصلة من شأنه أن يؤمن ثباتاً أفضل للشبكة عند حدوث أعطال على خطوط النقل، فضلاً عن إمكانية تصريف كميات إنتاج إضافية، وخصوصاً مع تنفيذ المُخطّط التوجيهي للإنتاج والنقل، الذي أعدّته مؤسسة كهرباء لبنان بالتعاون مع شركة كهرباء فرنسا EDF، والذي وافق عليه مجلس الوزراء في قراره الرقم 20 تاريخ 7/9/2017، إضافة الى تخفيف الهدر الفني على شبكة النقل بنسبة كبيرة.

الفائدة الأخرى لاستكمال الوصلة، بحسب «كهرباء لبنان»، تكمن على مستوى استجرار الطاقة الكهربائية من الدول المُجاورة من ناحية إمكانية زيادة الطاقة الكهربائية المُستجرّة من دول الربط الكهربائي العربي لتصل الى حدود 260 ميغاوات على محول كسارة 400 ك. ف. وزيادة التغذية بالتيار الكهربائي لكل لبنان.

أمّا على مُستوى التوزيع، فتُشير المصادر نفسها الى أن استكمال الوصلة من شأنه أن يحل مُشكلة تصريف الطاقة الكهربائية من معمل دير عمار الى منطقة جبل لبنان (الشياح وأنطلياس وقسم من بيروت الإدارية)، وذلك عبر نقل حمولة بعض مخارج التوتر المتوسط التي تغذي منطقة جبل لبنان الى محطات الـ 220 ك. ف. (رأس بيروت، المكلس وحالات).

أخيراً، تتمثلّ فائدة الوصلة على مستوى شبكة التوتر المتوسط في المتن الشمالي بتأمين بدل لتغذية مخارج التوتر المتوسط في محطة المكلّس الرئيسية عبر محطتي عرمون وبصاليم، ما يؤمن استفادة أفضل لمناطق المتن الشمالي، ولا سيما سنّ الفيل وجسر الباشا والمكلّس والمنصورية، «حيث يتعذّر تأمين هذه التغذية وسد الحاجات المستقبلية لهذه المناطق، وخصوصاً لجهة المشاريع السكنية والتجارية التي ستنشأ فيها من دون الانتهاء من وصلة المنصورية وتشغيل محطة المكلس بصورة كاملة».

مطرانية بيروت المارونية: لا أحد يستعمل أملاك المطرانية من دون إذن

ضمن متابعتها المُستمرة للقضية، أصدرت مطرانية بيروت المارونية بياناً شكرت فيه جهود النائب ابراهيم كنعان ووزارة الطاقة للتوصل الى وقف الأعمال على نحو جزئي «ليتسنى لها الحوار مع الأهل الخائفين على صحة أولادهم، وصولاً الى الحل المنشود الذي يحفظ صحة الناس ويخدم المصلحة العامة».

وقالت المطرانية إنها «وإن كانت قد أعلنت أنها لا تقبل أن يستعمل أحد أرزاقها وأملاكها دون إذن منها، وهي أملاك لها في منطقة عين سعادة غير خاضعة لأي استملاك، فذلك لأنها لا تقبل أن تستعمل هذه الأملاك بما قد يعود بالضرر على المواطنين وهم في معظمهم من أبنائها».

وختمت بالقول :»يبقى الآن أن يرضخ الجميع لما يؤكده العلم من حيث ضرورة اللجوء الى الاحتراز لكي لا تتعرض صحة الأولاد لأخطار جسيمة، فتمدد خطوط التوتر بعيداً بصورة كافية عن منازل الناس، وإما تحت الأرض، أسوة بما يجري في كل الدول المتطورة».