IMLebanon

خطّ التوتّـر العالي: من البصْرة إلى بيروت

تزامن الحراك الشعبي في بعض محافظات العراق مع التظاهر الصاخب في ساحات بيروت، من دون رابط موضوعي بين المشهدين.

أسباب الحراكين وظروفهما تختلف في بعض الوجوه، ولكنها في وجوه أخرى تتشابه إلى حدّ التطابق. فالبيئة التي تحيط بكليهما تشكو من الفساد والطائفية والمحاصصة وسوء إدارة الدولة والهدر وانعدام المحاسبة، كما تتصف بضعف المجتمع المدني وتردّي الأمن وقسوة الظروف الاجتماعية، وتراجع الأداء الاقتصادي.

في الفترة الأخيرة، أعطي الفساد اللبناني «حقه» في مختلف وسائل الإعلام، وفي ساحات التظاهر والاعتراض. أما فساد الدولة في العراق، فمن المفيد إلقاء بعض الأضواء عليه.

قدّرت أوساط عراقية رسمية، حسب «واشنطن بوست»، أن خزينة الدولة خسرت منذ سنة 2003 ما بين 300 و350 مليار دولار، بسبب الكسب غير المشروع (…) وبات يعتبر العراق أكثر البلدان فساداً في العالم، ويحتل الدرجة الأخيرة حسب مؤشر الفساد العالمي. وقد توسّعت «ثقافة الفساد» وانتشرت مثل السرطان في إدارات الدولة، من القاعدة إلى القمّة، وأهدرت أموال الدولة من دون شفقة لمصلحة النافذين. ذكر رئيس الوزراء حيدر العبادي في حوار مع الشباب الأسبوع الماضي أن أحد المسؤولين لديه 900 مرافق أمني من الدولة، فيما حرّاس العبادي نفسه لا يتجاوزون الثمانية والثلاثين.

يقول المثل الدارج «القلة تولّد النقار». لذلك فمن البديهي أن ينفجر الغضب الشعبي في ظل تراجع الأداء الاقتصادي وتصاعد الأزمات المعيشية، في لبنان وفي العراق، وفي كل مكان وزمان.

لا داعي لاستذكار المؤشرات الاقتصادية السيئة في لبنان، فهي تكرّرت كثيرا في الأسابيع الأخيرة، بسبب صدور تقرير صندوق النقد الدولي الأخير عن مهمّة بعثته إلى لبنان، وكذلك تقارير المصارف المحلية عن نتائج الاقتصاد اللبناني في الفصل الثاني من العام الجاري. وقد أظهرت تراجع مختلف الموشرات الاقتصادية مثل النشاط الاقتصادي العام، المالية العامة والحسابات الخارجية.

بدوره لا يعيش الاقتصاد العراقي أفضل أيامه، بل يعاني من النموّ السلبي، وهذا مصدر مهم للاضطرابات الاجتماعية وانفجار الشارع على النحو الذي نشاهده.

فقد انكمش الاقتصاد العراقي بمعدّل 2.5٪ خلال العام 2014. وفي العام الجاري لا يتوقع أن يتعافى إلا بنسبة ضعيفة لا تتجاوز 0،5٪، وفق تقديرات لصندوق النقد الدولي نشرت قبل أيام. لقد أدّى انخفاض أسعار النفط إلى تراجع الاحتياطات الخارجية للعراق من 84 مليار دولار في نهاية العام 2013 إلى 67 مليار دولار نهاية العام الماضي. أي أن حجم الاحتياطات العراقية تراجع بمبلغ 17 مليار دولار في عام واحد. ويلاحظ، في أجواء الهدر والفساد وتراجع سعر النفط وتعاظم النفقات الأمنية، الضغوط الكبيرة للمالية العامّة على الاقتصاد العراقي، إذ يتوقع ارتفاع عجز الموازنة، كنسبة مئوية من الناتج المحلي العراقي، من 5.35٪ إلى 18.4٪ خلال العام الجاري.

على صعيد آخر، تختلف الأجواء السياسية المحيطة بكل من الحراك العراقي والحراك اللبناني. ففي العراق تواجه الحركة الشعبية تعقيدات أقلّ من تلك التي تحاصر الحركة اللبنانية، بسبب النسيج الواحد للمناطق التي اندفعت بالحراك العراقي. أما في لبنان، فالقاعدة الطائفية والمناطقية والثقافية المتنوعة للمتظاهرين، لا تسمح للحراك بتشكيل قيادة متجانسة، أو الحصول على دعم ذي وزن كبير، مثل التأييد الذي منحته مرجعية السيد علي السيستاني لمعركة الإصلاح في العراق.

وعلى كل حال، تبقى مرجعية السياسة في لبنان خارج سلطة رجال الدين، فرغم ظهور قامات دينية كبيرة، فإنها لم تكن قادرة على الإمساك بناصية القيادة السياسية في لبنان.

وبصراحة، فإننا لا نندم على دور قيادي «مفقود» لكبار رجال الدين اللبنانيين، إلا عندما نمرّ بأزمات تقسيمية، «إسلامية ووطنية»، ونستذكر عمالقة توحيديين من أمثال المرحوم السيد محمد حسين فضل الله.