في خضمّ التحوّلات الكبرى التي تعرفها منطقتنا والتي سوف تتجلّى على مشهد جديد قد تحصل فيه تغييرات، ومن بينها تلك المتعلقة بالكيانات والحدود، تتفاقم الأزمات الداخلية من أمن المطار إلى قمح مسرطن إلى فضائح أخلاقية وطبّية، ناهيك عن أزمة الرئاسة والحكومة، إلى الاستخفاف بمركز الأمين العام للأمم المتحدة. يبقى علينا أن نُحدّد المصالح الوطنية بأولوياتها وترتيبها.
ولكن من الممكن الإضاءة على هذه الأولويات كافة بعبارة ملخّصة، ألَا وهي الحفاظ على المؤسسات الفاعلة وصيانة تلك المتصدّعة واستكمال ما يجب أن نكمله. وذلك أنّ أيّ عمل أو حتى إنجاز يأتي من خارج الإطار المؤسساتي فهو كالبناء على الماء. ولنا المؤسسة العسكرية اليوم أفضل مثال على ذلك.
فهي أثبتَت بترابطها ووعي قيادتها النجاحَ في تحمّل مسؤولياتها في صونِ البلاد، وذلك رغم الشحّ الذي يصيب تمويلها وتجهيزها منذ سنوات. ولنا أيضاً في مصرف لبنان مثالٌ آخر ذو مدلول واضح. فلا مكان إذاً للتيئيس إنّما هناك ضرورة لأخذ العبَر والمضيّ في العمل. إنّ مجتمعات عالمنا الرقمي والتكنولوجي اليوم لا تقوم إلّا بالاعتماد على الكفاءة وعلى الشفافية والمحاسبة.
ولنا في أزمة النفايات وأزمة الأمن الغذائي والاستشفائي أكبر مثال على الحاجة إلى هكذا مؤسسات. وإن كان نظامنا «التحاصصي» قد أعاقَ لغاية اليوم العمل المؤسساتي. إلّا أنّه يبدو ضرباً من ضروب الطيش، إن لم نَقل أكثر، أن نتصارع على اقتسام حصَص العائدات الآتية من إدارة النفايات، أو من التزام نحصل عليه بالتراضي من هنا أو هناك، بينما خيرات الغاز والنفط تنام في أرضنا وبحارنا أو تتقاسَمها الدول من الجيران والأعداء. هذا هو التحدّي الكبير الذي يجب أن ينقلنا من سياسات وثقافة اللادولة إلى ثقافة الدولة والمؤسسات.
هكذا ثقافة لا يمكن أن تقوم إلّا على أسُس المساءلة والمحاسبة والتضامن الاجتماعي بين كلّ أفراد الوطن، بغَضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية. وإذا كان يتفاخر اللبناني بشطارته، خصوصاً عندما تتعلق بتجيير القانون، فالشطارة…الشطارة اليوم هي ببناء ثقافة المواطنية واحترام القانون.