IMLebanon

أعلى مراحل الشعبوية  وأعمق خطوط الانقسام

تنصيب الرؤساء في أميركا يتجاوز في المراسم تنصيب الملوك في أوروبا. فالولايات التي ثارت على بريطانيا وأخذت الاستقلال بالقوة من الملك جورج حرصت على رؤية الرئيس جورج واشنطن كملك منتخب. وما بقي للملوك الذين خسروا السلطة واحتفظوا بالمنصب هو المظاهر كرمز لاحترام السلطة. وما يبرر الأميركيون به المراسم الامبراطورية لتنصيب رئيس يمارس سلطة قوية هو ان الاحتفال رمز لتمجيد الديمقراطية.

لكن تنصيب الرئيس دونالد ترامب بدا في صورتين مختلفتين: صورة المحتفلين به، وبينهم خصومه، احتراما للديمقراطية. وصورة المحتجين الرافضين لشرعية انتخابه والغاضبين على ديمقراطية تنتج رؤساء مثله. فالانقسام العميق والحاد في المجتمع الأميركي صار بعد انتخابه خطيرا يهدّد بصدام، الى حدّ ان التحذير من حرب أهلية لم يعد مستغربا. ومن الصعب ردم الهوّة الواسعة والعميقة بخطاب عاطفي عن أمة واحدة ومصير واحد.

ذلك ان ترامب رئيس أزمة مرشحة للتفاقم، مهما قيل عن حلول سريعة ومفاجآت وقرارات يسهل اتخاذها في ولاية رئيس جمهوري وكونغرس جمهوري بمجلسيه. وهو حرص في خطابه الأول كرئيس على القفز الى أعلى مراحل الشعبوية التي جاءت به الى البيت الأبيض. فما ذهب فيه الى الحدّ الأقصى هو اللعب على وتر الوطنية الأميركية بكثير من الديماغوجية. وما أعاد التذكير به ليتعهد السير عكسه هو ما كانت أميركا ولا تزال تفاخر به: الدفاع عن حلفائها وتقديم المساعدات الاقتصادية للشعوب. إذ شكا بعقلية التاجر الباحث عن الربح في الصفقات من ان أميركا أنفقت تريليونات الدولارات في الخارج وأثرت سواها، في حين ان البنية التحتية فيها تتردّى. ورفع شعار أميركا أولا للقول انها حمت حدود دول عدة وحان الوقت لأن تحمي حدودها، كأن دور أميركا في العالم لم يكن لمصلحتها استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا.

لا بل ان ترامب شحن خطابه بما يوحي ان لحظة تسلمه السلطة هي نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة بنوع من القطع مع الماضي. فلا تداول السلطة هو بين حزب وحزب بل من العاصمة الى الشعب. ولا رغبة في فرض طريقة حياتنا على سوانا ولا في قبول العكس بل صداقة مع كل دول العالم. والشيء الوحيد الذي تحدث عنه بوضوح هو التزام الحرب على التطرّف الاسلامي العنيف والقضاء عليه. كيف؟ فتّش عن التحالف مع الرئيس فلاديمير بوتين واقناع البلدان الاسلامية ان الحرب على التطرّف العنيف هي حربها أولا.

وليس بعد الشعارات سوى الاصطدام بالواقع داخل أميركا وفي العالم. أما حديث المفاجآت، فانه تسخيف للسياسة التي تحتاج الى فكر وتخطيط وقراءة في التضاريس الاجتماعية والسياسية.