لماذا يذكّر السفير الأميركي الجيش بواجب حماية الحدود؟
لم يعتد اللبنانيون على السفير الاميركي دايفيد هيل نجما اعلاميا، فإطلالاته قليلة جدا.
فجأة، وبلا سابق انذار، يقرر هيل الخروج من خلف الجدران، تُستدعى وسيلة إعلاميّة لبنانيّة الى منزله، لافتعال مقابلة معه، وبأسئلة بدت وكأنها متفق عليها سلفا. والسؤال البديهي: «ما هو الشيء الضروري والملح الذي حمل السفير الاميركي على النزول شخصيا الى الحلبة الاعلامية في هذا التوقيت بالذات، وأي رسالة أراد إبلاغها، ولمن؟».
هناك من قلل من شأن المقابلة، فلم يرَ فيها ما يخرج عن سياق الموقف الاميركي التقليدي، وذهب الى وصفها بـ «المقابلة الوداعية» للسفير الاميركي الذي يتحضر للانتقال قريبا من لبنان الى الباكستان. لكن احد السياسيين الذين يعرفون السفير الاميركي عن كثب، استوقفته المقابلة في توقيتها ومضمونها الذي يجعلها «مقابلة قلمونية» بامتياز، وهي تنطلق من مجموعة اعتبارات:
ـ الاعتبار الاول، احتدام معركة القلمون والانجازات النوعية التي يحققها «حزب الله» بوتيرة سريعة، وكل ذلك سبب ارباكا لدى فريق «14 آذار»، وجرى التعبير عنه بالحملة الاعلامية العلنية التي قادها الرئيس سعد الحريري شخصيا ضد الحزب وتدخله في الحرب هناك، بالتوازي مع قلق جدي مما بعد القلمون، وارتدادات انتصار «حزب الله» المحتمل فيها على الداخل اللبناني.
لذلك من غير المستبعد ان تنطوي اطلالة هيل من جهة على محاولة احتواء مسبقة للتداعيات، كما تنطوي من جهة ثانية على بعد تطميني لهؤلاء.
هنا يستدرك صاحب هذا الكلام، ويلفت الانتباه الى ان شريحة كبرى من اللبنانيين لا تستطيع ان تقتنع ببراءة الاميركيين من اية حملة داخلية تشن على «حزب الله»، اذ ليست مصادفة ان تستخدم التعابير ذاتها بين الاميركيين واصحاب الحملة.
وتبعا لذلك، والكلام للسياسي نفسه، فإذا كان هيل قد لاقى منطق «14 آذار» بتبني منطقه القائل بأن تنظيم «داعش» لا يشكل خطرا على لبنان، وما كان ليشكل هذا الخطر لولا مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية ومعركة القلمون، فإن هذا يعني واحدا من امرين:
إما أنه صادق ويعبر عن النظرة الحقيقية الاميركية لـ«داعش» ويؤكد الاتهامات الواسعة بأن هذا التنظيم الارهابي صناعة اميركية. وإما هو يجافي الحقيقة ويقول لـ«14 آذار» كلاما للاستهلاك فقط، خاصة ان كلاما أميركيا مغايرا تماما، قد تم إبلاغه لمسؤولين لبنانيين سياسيين وغير سياسيين وحرفيته «داعش يشكل خطرا على العالم اجمع، ويهدد كل اوروبا ووصل الى اميركا، لم نقدر خطره في بادئ الامر الا اننا بتنا نخشى ان نستيقظ يوما ونجد داعش في شوارع مدننا، وفي بيوتنا وغرف نومنا». وفي السياق جاء كلام مباشر وصريح لرئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون لمسؤول لبناني «صرت اخاف من ان ارى داعش في شوارع لندن».
ـ الاعتبار الثاني، غياب الموقف الاميركي من التطورات القلمونية كان محل تساؤل في العديد من الاوساط، خاصة لدى بعض حلفاء واشنطن. وثمة في هذا الجانب من بدأ يدرج هذا الغياب في خانة التواطؤ، وإن بشكل غير مباشر، ولعل جانبا اساسيا من المقابلة كان بهدف القول بعدم وجود ضوء اخضر اميركي لعملية القلمون.
ولكن ما يلفت الانتباه هو ان هيل لم يقارب العمليات العسكرية في القلمون لا ادانة ولا استنكارا، ربما لأنه لا يستطيع ان يتورّط في ادانة قتال مجموعات تصنّفها واشنطن بالارهابية.
ـ الاعتبار الثالث، يمكن توصيفه بأنه بيت القصيد، حيث يُقرأ في كلام هيل حول موضوع الحدود اللبنانية ـ السورية استشعار اميركي باحتمال تدفق المسلحين الارهابيين الى الجانب اللبناني، والدلالة في كلام هيل تركيزه على الجيش اللبناني وقوله حرفيا: «على الجيش اللبناني واجب حماية حدود لبنان والمحافظة على سيادته وامنه واستقراره، وانا على ثقة بأن لدى الجيش النية والقدرة على حماية حدوده، ومواجهة هذه الظاهرة الارهابية». ولعله هنا يقرع للدولة اللبنانية جرس الانذار بالمواجهة.