Site icon IMLebanon

من هيل إلى جونز: الزمن السوري تغيّر واشنطن تتجنّب الغياب إظهاراً لالتزاماتها

من المتوقع ان يغادر السفير الاميركي ديفيد هيل لبنان نهائياً خلال عطلة نهاية الاسبوع الحالي الى منصبه الجديد في باكستان والذي أرجأ الالتحاق به منذ تموز الماضي لأسباب تقنية منعت حتى الآن الافساح في المجال امام السفيرة الجديدة آن ريتشارد الحصول على موافقة الكونغرس لتسميتها وتالياً تسلم مهماتها. ويحل مكان هيل كمرحلة انتقالية موقتة السفير السابق ريتشارد جونز الذي سبق ان شغل هذا المنصب في لبنان بين العامين 1996 و1998. وهو على غرار هيل الذي سبق ان كان في بيروت إبان الحرب سيتاح له ان يتعرف الى لبنان في زمنين مختلفين علماً ان أبرز المتغيرات الجوهرية والكبيرة فيهما هو خروج القوات السورية من لبنان نهائياً عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدم امكان عودة هذه القوات مجددا الى لبنان على رغم التهديد الاستخباري السوري الذي بقي مصلتاً فوق رؤوس اللبنانيين والهيمنة غير المباشرة من خلال مفاتيح بقيت ملحقة بالنظام السوري. ولم يكن امراً عابراً ان ثمة من أخذ الدور السوري او الكثير منه من خلال تعزيز ايران نفوذها على لبنان وتقوية “حزب الله”، الا ان لبنان لا يخضع لسيطرتهما كما كانت الحال مع سوريا. والمنصب ولو الموقت يتطلب سفيرا تكون اهم ميزاته انه يعرف لبنان ويدرك تعقيداته الداخلية والتأثيرات فيه ولا يحتاج وقتاً طويلاً للتعرف الى سياسييه وفهم تطوراته وما يحتاج اليه، اذ يبدو ان دقة الوضع لا تسمح بهذا الترف في هذا الوقت بالذات.

يضاف الى ذلك بحسب مصادر مراقبة ان ثمة حاجة أميركية ملحة الى عدم شغور منصب السفير في هذه المرحلة الدقيقة والخطرة في لبنان. وتقول هذه المصادر ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تعطي مؤشراً على غيابها على المستوى الديبلوماسي الاول في لبنان في ظل الاستثمار القوي لها في الجيش اللبناني باعتبار ان اميركا هي الأكثر دعما للجيش والأكثر استعدادا لتلبية كل متطلباته خصوصاً في هذه المرحلة التي تتطلب عدم التفريط باحدى ابرز المؤسسات التي لا تزال قائمة في ظل العجز المؤسساتي الذي يصيب مجلسي الوزراء والنواب بعد مرور اكثر من سنة ونصف السنة على الشغور في سدة الرئاسة الاولى. ولبنان الذي لم تغب عنه الولايات المتحدة في زمن الحرب لا يمكنها ان تغيب عنه خصوصاً في ظل غيابها الديبلوماسي عن سوريا ايضاً مع رحيل ديبلوماسييها عن دمشق اثر مطالبة ادارة الرئيس باراك اوباما الرئيس بشار الاسد بالرحيل بعد انفجار الانتفاضة ضد نظامه. ويعني ذلك ان لبنان يبقى محورياً ليس كساحة حرب مشتعلة بديلا من كل عواصم العالم العربي بل كساحة شبه وحيدة لا تشهد حربا كما حال الدول العربية المجاورة في الوقت الذي لا يزال يحتاج بقوة الى المظلة الدولية الحامية لاستقراره كما الى استمرار دعم الجيش على اساس انه الاداة التنفيذية العاملة على تأمين هذا الاستقرار.

الا انه لا يغيب عن المصادر المراقبة تطور مهم طبع مهمة هيل في لبنان قد يكون ابرز مؤشراته انه قد يكون السفير الاميركي الوحيد الذي نجا من حملات وانتقادات كانت تتصدر مواقف السياسيين المنتمين الى “محور” معين وتستهدف السفراء الاميركيين ايا كانت مواقفهم او تحركاتهم. وليس واضحاً بالنسبة الى هذه المصادر اذا كانت المفاوضات النووية التي جرت بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران والتي كان ابرز عناوينها اتصالات ورسائل مباشرة بين الادارة الاميركية والمسؤولين الايرانيين هي احد الاسباب التي ساهمت في تقليل تظهير نسبة العداء التي كان يتم التعبير عنها من جانب هؤلاء السياسيين بالاصالة عن انفسهم او بالنيابة عن المحور الذي يعلنون انتماءهم اليه، ام ان غرق سوريا في حربها الاهلية سبب آخر باعتبار انها كانت عبر سيطرتها المباشرة على لبنان او نفوذها المستمر فيه على مر الاعوام المحركة للعداء السياسي والكلامي على قاعدة استخدامها لبنان دوما ساحة من اجل الضغط على الولايات المتحدة او من اجل تحقيق بعض مطالبها. الا ان الاداء السياسي الذي قام به هيل لم يتسم كذلك بأي موقف قد يشتم منه استفزازاً لأي فريق او ضغطاً في اي اتجاه. وهو عامل تعتبر المصادر المراقبة المعنية انه ينبغي أخذه في الاعتبار من دون امكان معرفة ما اذا كان هذا الآداء هو سياسة شخصية تعكس اسلوب هيل في مقاربة الامور او هو ايضاً تعبير عن سياسة اميركية مختلفة ازاء الوضع اللبناني مبنية على ان ما يتطلبه لبنان في ظل الوضع السوري وتداعياته الكبيرة على لبنان هو استيعاب التطورات فيه لمصلحة أهم واكبر الا وهي المحافظة على الاستقرار فيه بأي ثمن ومنع انتقال الصراع في المنطقة اليه، او هما الاثنان معاً باعتبار ان السفير غالباً ما يتولى تحديد الاطار الذي يجده ملائماً لان تعمل به ديبلوماسية بلاده. ويبرز في هذا الاطار تزايد حجم الدعم للجيش اللبناني الذي باتت تتولاه الولايات المتحدة لا بل مضاعفته هذه السنة من دون ان يثير ذلك اعتراضات او انتقادات في الوقت الذي بات الجيش يشكل المؤسسة الوحيدة التي يجمع كل الافرقاء على دعمها في هذه الظروف. واستحضار الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اميركا في خطابه الاخير في ذكرى عاشوراء ليس مؤشراً على تغيير بل من عدة الشغل.