IMLebanon

هيل: لتحييد الجيش وعدم استخدام القوة

صورتان متناقضتان اقله في الشكل، بين حراك الشارع وصخبه، وحوار الطبقة الثالثة الهادئ في المجلس النيابي، التي لم تصلها حتى اصوات المعترضين. فهرج ومرج في الشارع الذي اتسعت فيه رقعة الاحتجاجات الشعبية المدنية وصولا الى الاعتصام المفتوح، كما المواجهات مع القوى الامنية، والحوار الوطني المنعقد في جولته الثانية «الممتازة» بحسب توصيف رئيس اللقاء الديموقراطي واصداؤها ايجابية وتفاؤلية على ما قال نائب رئيس مجلس النواب، زمن من الملفات والمشاكل العالقة.

فيوم امس الذي شهد بالتزامن مع جلسة الحوار الوطني في ساحة النجمة، حراكا في الشارع ضم المئات من الاشخاص الموزعين على عدة محاور، مع تراجع حركة «الدعم» الشعبي التي كانت شهدتها مظاهرة 29 آب، شهد في المقابل مجموعة من الحوادث والاشارات تدل على دخول البلاد مرحلة جديدة، رأت فيها القوى المنتفضة قرارا رسميا بانهاء ظاهرة الحراك المدني وتصفيته بعدما بدأ بازعاج الطبقة السياسية الحاكمة، في مقابل وجهة نظر امنية تحدثت عن قرار بعدم السماح باستمرار الفوضى في الشارع والمس بالمرافق العامة والاعتداءات على الكرامات.

وبالعودة الى وقائع اليوم الطويل فقد سجلت مصادر متابعة معطيات، قد تقلب بتداعياتها الصورة، لعل ابرزها:

– قرار العماد عون التمهيدي بالانسحاب من الحوار، حيث اكدت مصادر سياسية مطلعة ان ما جرى في الجلسة الاولى شهد تراجعا عن الضمانات التي قدمها الرئيس بري وحزب الله للرابية بالانتقال الى البند الثاني من جدول اعمال طاولة الحوار، اي بحث قانون الانتخابات، في حال عدم التوصل الى اتفاق على بند رئاسة الجمهورية، وهو ما لم يحصل، حيث لمست الرابية محاولة «لتمييع» الامور، غامزة من قناة الحوار الاسلامي – الاسلامي بين المستقبل وحزب الله، الذي يبدو ان الحوار الجدي يجري على جبهته حول المسائل الاساسية، في ظل اشارة احد المشاركين في حوار عين التينة ان جلسة الاول من امس حققت نقلة ملحوظة الى الامام.

– التكتيك الجديد الذي اتبعته القوى الامنية والتي تمكنت من شل حركة المعترضين الى حد كبير، حيث بدا بوضوح سيطرتها وامساكها بالشارع، مع نجاحها في افشال خطط المتظاهرين في اعتراض طرق المواكب على غرار ما حصل الاسبوع الماضي، اولا، وثانيا، الاسلوب الذي اعتمد لجهة «قضم» المتظاهرين من خلال عمليات مباغتة لاعتقال افراد بالاسم من قياديين اساسيين في الحراك، نفذت بسرعة عدة مرات ادت الى اعتقال العشرات.

– التطور الاخطر الذي شهد وصول مجموعات عرفت عن نفسها بانها من مؤيدي رئيس مجلس النواب عمدت الى مهاجمة خيم للمعتصمين وضرب المعترضين بالسكاكين والعصي بحجة استفزازهم من قبل جماعة الحراك المدني «الذين تجرأوا ومسّوا بالاستاذ»، قبل ان ينتقلوا الى منطقة اللعازارية ويشتبكوا بعنف وسط عمليات كر وفر مع المضربين عن الطعام. احداث ذكرت «بواقعة الجمل» في مصر عشية رحيل الرئيس المصري حسني مبارك، بحسب قادة الحراك،الذي اتهموا القوى الامنية بالتواطؤ مع المهاجمين في محاولة غير مباشرة لفض الاعتصامات.

– نجاح مدير طاولة الحوار في استدراج طرفي الطاولة الى جلسة اختارها قبيل عيد الاضحى وسفر رئيس الحكومة الى نيويورك بعدما افشل خطة كانت تعد لها قوى الثامن من آذار كانت كفيلة بتعليق الرابع عشر مشاركتهم، من خلال قلب اولوية بنود جدول اعمال الحوار، الذي اوضحت شخصية مشاركة فيه ان احد اطراف قوى 14 آذار وجه سؤالاً الى فريق الثامن من آذار، وتحديداً ممثلي الوطني الحر وحزب الله مضمونه شروط الطرفين للنزول الى مجلس النواب لحضور جلسات انتخاب الرئيس، بعدما طلب الرئيس بري من المتحاورين تقديم مقترحات في جلسة الثلثاء المقبل.

– انقسام جماعة الحراك الذي بدا ظاهرا من خلال المواقف التي اطلقت عقب «موقعة اللعازارية»، حيث بدا ان «عملية التخويف» نجحت في تحقيق هدفها الى حد كبير، خاصة ان المجموعة التي نفذت الاعتداءات انسحبت كما حضرت بشكل مثير للريبة.

– نصيحة جدية تبلغتها الجهات المعنية، السياسية والامنية، من السفير الاميركي الذي اجرى سلسلة اتصالات دعا فيها الى التعامل بحضارة وديمقراطية مع الحركة الاعتراضية في الشارع وعدم استخدام القوة، وتحييد الجيش، وهو الامر الذي اثار ريبة العديد من السياسيين.

اوساط نيابية واسعة الاطلاع اعتبرت ان نوايا التحرّك المدني «المبيتة» بدأت تظهر في عدة أماكن، من التغطية والتجييش الاعلامي غير المسبوق، الى «حملات الدعم» الديبلوماسي التي يحظون بها من قبل اكثر من جهة، بحجة تأييد الديمقراطية من جهة، والحفاظ على حقوق الانسان من جهة ثانية، دون انكار الجهات الخارجية تقديمها الدعم المالي لبعض تلك الجهات المدنية، التي انتقلت من النفايات الى المواضيع السياسية كإسقاط النظام وقانون الإنتخابات النيابية والإستحقاق الرئاسي، دون تقديم اي حلول، مدخلة تحركها في الزواريب اللبنانية الضيقة، محذرة من انه إذا كان هناك من وضع مقولة العنف ضد الفساد، فربما تنقلب الأمور وتذهب باتجاه لا للعنف مقابل استمرار الفساد مع ضبطه.

وحول اجتماع الحكومة، اشارت الاوساط، الى ان الموضوع متروك لطاولة الحوار بنسختيها الثنائية والجماعية، اذ أن رئيس الحكومة مصمم على عدم عقد اي جلسة غير منتجة لا تحظى بتوافق سياسي، مفضلا التريث بإنتظار المشاورات والوساطات الجارية، كما بإنتظار الوصول الى بند تفعيل عمل الحكومة على طاولة الحوار في مجلس النواب، ليبني من بعدها على الشيئ مقتضاه، كاشفة في هذا السياق امتعاض رئيس الحكومة مما آلت اليه الامور في السياسة كما في الشارع، وتجاهل بعض السياسيين خطورة الازمة مقدمين مصالحهم الخاصة على الوطنية، موضحة ان سلام لن يقبل ببقاء الامور على حالها، مشيرة الى انه سيعتمد بعد عودته من نيويورك مقاربة جديدة في معالجة الملفات بعدما تدرج حراك الشارع من مجرد مطلب لحل ازمة النفايات الى خطر يتهدد البلاد بالانزلاق الى الفوضى التي قادت بعض الدول العربية الى ثورات نشهد اليوم افظع فصولها الدموية.

لكن ماذا بعد؟ وما هي الخطط البديلة؟ والاصح الى اين؟ لعل صاحب المقولة نفسها هو افضل من يجيب اذ غرد عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قائلا: «إلى ان هذه الفوضى المنظمة التي تستعملها بعض من وسائل الاعلام في تحطيم الدولة والمؤسسات قد تكون لحدث أمني خارج معرفة البعض على الأقل يدمر البلاد». واللبيب من الاشارة يفهم.