IMLebanon

تلال أم وديان؟!

يَعرف قادة «حزب الله» أكثر من غيرهم أن «انتصاراته» التلالية في القلمون السوري، لن تقدّم أو تؤخّر شيئاً يُذكر، في خريطة الحرب السورية ولا في جهود حلفاء بشار الأسد لحمايته من السقوط الحتمي، طال الزمن أو قَصُر.

ويَعرف هؤلاء وأكثر من غيرهم أيضاً، أن تلال القلمون لن تعوّض عن الوديان التي وضع حزبهم نفسه فيها، إزاء اللبنانيين وأكثرية العرب والمسلمين، بل على العكس من ذلك، رفعت وترفع من وتيرة التنابذ ووسّعت وتوسّع أكثر وأكثر، تلك المساحات التي صارت تفصل بينه وبينهم انطلاقاً من مواقفه هو وليس لأن المناخ المغاير صار في موقع مغاير.. ليس لأن الشعب السوري ينفّذ «مؤامرة إسرائيلية أميركية» ضد الممانعة ورمحها بشار الأسد! وليس لأن الشعب اللبناني يكره ثقافة «التنوير» الإيرانية! وليس لأن الفلسطينيين لا يريدون تعكير مَللهم من النضال لاسترجاع حقوقهم! بل لأنه هو، «حزب الله»، ذهب في التيه الى مراتب العداء ولم يعرف كيف يضع حدًّا فاصلاً بين الممكن السياسي والمستحيل الفتنوي، وبين الجموح التسلطي والتوسعي الإيراني ومدوّنة المحرّمات التي يفرضها النصّ الديني مثلما تفرضها مقومات الجمع في الأرض واللسان والنسب والعرق والتاريخ والمصير!

.. ابتعد حتى خانه لسانه وشتم حاله! خالطًا بين ثوبه السياسي وبين هويته الوطنية والقومية، بين العابر والدائم، وبين التكتي والإستراتيجي من دون أن يلحظ أن اليقينيات الثابتة في السياسة، بضاعة قديمة ومهترئة ولا يشتريها أحد، وأن مصالح الدول مثل رقّاص الساعة تتحرك وفق منطق الزمن ولا تتوقف وإلا تعطّلت وخربت وصارت خارج هذا الزمن.. وإن في هذا الزمن عناوين قطعية كثيرة، لكن الأساس الأكبر منها هو التواصل وليس القطع، في الاقتصاد والتجارة والمال والإعلام والفنون والصناعات.. وصولاً إلى المصائر العامة!

غرابة أداء هذا الحزب تكمن في ذهابه الدائم إلى النهايات من بداية الطريق.. وفي افتراضه الدائم أن كل «الحق» حيث يكون هو، وكل «الباطل» حيث يكون «الأغيار».. وأنه هو الميزان والقياس، وأن الأقدار تشتغل عنده ومن أجله! لا يأخذ بما يقوله التاريخ، قديمه وحديثه، ولا يعترف ببديهيات عالم متداخل صارت فيه الإبادات والأهداف الخلاصية والإلغائية علامة دالّة على غربة أصحابها عن العصر وقربهم من أهل الكهف.. ينطح التلال والجبال ولا يأخذ بحقائق الأرض والناس: يفترض أن أكثر من عشرين مليون سوري لا يساوون طغمة سلطوية فئوية حزبية فاجرة، وأن تلال القلمون تطلّ على تأكيد نفي هذه الحقيقة.. فيما العكس هو الصحيح حيث تدلّ هذه التلال وبالعشرة على مقدار تهافت بقايا سلطة دمشق وعلى عجزها المتنامي وعلى قرب اندحارها واندثارها!