«الضابط المتقاعد» يدعو إلى تحسس أوجاع الناس
حنّاوي: تمرّد «المُدلل» في الحكومة.. لا يُقنع!
من المفارقات اللبنانية، أن يتوعد العونيون بدفن الحكومة وهي حيّة ويهددوا بهدم الهيكل الدستوري فوق رؤوس حكّامه، وأن يجلس بالمقابل جبران باسيل كوزير للخارجية جنباً الى جنب رئيس الحكومة تمام سلام تحت قبّة الأمم المتحدة ليشكلا معاً الوفد الرسمي المشارك في أعمال الجمعية العامة.
طبعاً، الحجة البديهية هي أنّ وزيري «تكتل التغيير والإصلاح» لم يتقدما باستقالتيهما، ومن الطبيعي أن يمارس وزير الخارجية مهامه الديبلوماسية ما دام موقعه دستوريا ولا غبار عليه، حتى لو كان معتكفاً عن المشاركة في جلسات حكومة يصفها باللاميثاقية والبتراء ومنقوصة الصلاحية.
ولهذا يسمح ربط النزاع هذا، بضخّ الحياة في شرايين مشاورات مكتومة تحصل خلف الكواليس يُراد منها تهدئة الأجواء والحؤول دون تشنجها أكثر، على طريقة: لا تموت الحكومة ولا يفنى الاحتجاج العوني.
أيام قليلة تفصل عن الموعد الأول الذي ضربه «التكتل» لنقل اعتراضه على أداء شركائه الحكوميين من الطاولة الى الشارع. لهذا، فإنّ المساعي تتركز راهناً على تأجيل الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء قدر الإمكان، خصوصاً أنّ المؤشرات الآتية من الداخل ومن خارج الحدود تشي بأنّ سيناريوهات ترئيس العماد ميشال عون، باءت كلها بالفشل. وبالتالي فإنّ موعد 28 أيلول سيكون طرفه بالتصعيد مبلولاً.
هكذا، ثمة من يقول إنّ قرار التمديد لقائد الجيش لن ينتظر «مسرحية» مجلس الوزراء، كما يصفها العونيون، وسيعمد وزير الدفاع سمير مقبل الى المبادرة من ذاته اذا بدا رئيس الحكومة ميالاً الى إحناء رأسه للعاصفة البرتقالية.
إذاً، يبدو الاتجاه راهناً الى تطويق الاعتراض العوني وامتصاص انفلاشه، الذي يقول عنه وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي إنه لا يستهدف الحكومة وأداء الجالسين على طاولتها تحت عنوان ضرب الميثاقية، كما يشكو «التيار الوطني الحر»، لأنه قد يكون ردّاً على المفاوضات السياسية الجارية حول رئاسة الجمهورية.
يؤكد حناوي لـ «السفير» أنّ الغنج والدلال اللذين كانا مُتاحيْن لجبران باسيل في الحكومة «جعلا من الجالسين قبالته وزراء درجة ثانية فيما هو وزير درجة أولى، ولم يكن يُسمح لأي بند أن يمر اذا رفع وزير الخارجية حاجبيه رفضاً له، وهذا أمر غير مألوف في الحياة السياسية في لبنان».
حتى أنّه في إحدى المرات جرت الموافقة على بند يتصل بالمخصصات السرية لمخابرات الجيش، فطالب وزير الداخلية نهاد المشنوق بالموافقة على مخصصات مماثلة لقوى الأمن الداخلي، فاعترض باسيل. وحين تمت مواجهته بأنه وافق على مخصصات الجيش، برر بأنه لم ينتبه للأمر وأنه يرفضه، فجرى سحب البند بعد خضوعه للتوافق!
بنظر حناوي لا تزال ميثاقية الحكومة محترمة، وقد تكون الشكوى من افتقادها جزءاً من الشراكة لا أكثر. يعود وزير الشباب والرياضة إلى «أقوال» الرئيس نبيه بري حين انسحب الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة و«أفتى» بعدم ميثاقية السلطة التنفيذية، وطالب يومها بتعيين ولو وزيرا شيعيا واحدا من قلب «14 آذار»، كي يتمّ التعامل مع الحكومة على أنها مكتملة الميثاقية.
إذاً، المسألة ليست في الكم ولا في الثقل التمثيلي، مع العلم أنّ حناوي لا يرى نفسه في قفص اتهام التقليل من قيمته التمثيلية في الطائفة الشيعية، مشيراً الى أنّه يمثل تقاطعات ثلاثة: الرئيس ميشال سليمان، الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله.
وردّاً على المعادلة التي طرحها الوزير الياس بوصعب والتي تقول إنه في حال انسحاب وزراء «أمل» و «حزب الله» لا يمكن للحكومة أن تحتفظ بميثاقيتها ببقاء حناوي في وزارته، يطمئن الوزير المعني بالتأكيد أن «ممثلي رئيس المجلس لن يغادروا الحكومة، وهو ملتزم بموقف الرئيس بري في هذ المجال».
حتى أنّ الشكوى من ضرب حقوق المسيحيين، لا يراها حناوي في محلها. يقول إنّ ركائز الدولة أربع: الإعلام وهو متاح للجميع، الأمن أي المؤسسة العسكرية وعلى رأسها ضابط ماروني كما مدير المخابرات ومدير الأفراد، المال وحاكم مصرف لبنان ماروني، والعدل وهنا أيضاً رئاسة مجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة للموارنة. إذاً رفع شعار مظلومية الحقوق المنتقصة غير مقنع أبداً.
«هذا الخطاب المتشنّج الذي لا يولّد إلا التشنج يعيدنا بالذاكرة الى حقبات سوداء من تاريخنا اعتقدنا أنّ الجميع تعلّم من دروسها، حتى أنّ بشير الجميل الذي قامت زعامته الميلشياوية على الخطاب المتطرف، عاد الى الخطاب الجامع حين صار على رأس السلطة السياسية.. فما معنى التهديد من عدم القدرة على التعايش»، يسأل حناوي.
يختم وزير الشباب بالقول «ما دمنا ندرك جميعا أن لا أفق للأزمة السياسية المفتوحة، ولا يختلف لبناني وآخر على الآثار السلبية على المواطنين، فلنبادر الى طمأنة الناس عبر تقديم الحد الأدنى لهم بدل التلهي بشعارات كبيرة».
الضابط المتقاعد قبل أن يصبح وزيرا يقول «أنا من الناس وأعرف أوجاعهم وأشعر بالضائقة المعيشية، وهذا يحفزني لكي أغتنم فرصة الحكومة والاستقرار للالتفات الى مصالح الناس بدل معاقبتهم لأسباب سياسية غير مقنعة».