IMLebanon

تلويح يلجم شططا!

مرة أخرى: بمجرد أن لوّح الأميركيون بإعادة وضع كل الخيارات على طاولة البحث في البيت الأبيض رداً على وضع المحور الروسي ـــ الإيراني فكرة الحل السياسي على الرف، واستمراره في العملية الإبادية لمنطقة حلب الشرقية، انعكست الآية. وبدلاً من استمرار تهاطل الصواريخ على الأحياء والمجمعات السكنية في المدينة المنكوبة، بدأت تصريحات التهدئة تتهاطل تباعاً من موسكو كما من بؤرة الرئيس السابق بشار الأسد على حد سواء.

وذلك يعيد تأكيد أمرين «تاريخيين» في مدوّنة أداء الطغاة. الأول منهجي، هو أن طغيانهم وليد آلية العنف واستخدام القوة. والثاني سلوكي مُلحق، وهو خضوعهم أمام الأقوى وتراجعهم أمام احتمال الهزيمة المنكرة!

ولا هزيمة منكرة في سوريا، في كل حال. وهذا ما لم تستوعبه غرف عمليات المحور الروسي – الإيراني ولا أصحاب القرار السياسي، لا في موسكو ولا في طهران، ولا عند بقايا سلطة الرئيس السابق الذي يستمر على دأبه محاولاً جعل الآخرين يصدقون ما لم يعد يصدقه هو نفسه، من أنه لا يزال يملك صلاحية اتخاذ أي قرار سياسي أو ميداني بمعزل عن حماته الخارجيين.

فحوى المعضلة الراهنة هو ذهاب ذلك المحور إلى تجربة المعادلة المستحيلة القائلة بالحسم العسكري المتدرّج وتكثيف تلك التجربة في حلب الشرقية تحديداً.. في حين أن الجانب الآخر الخاضع للحسابات الأميركية يعتمد المنطق القائل بالحل السياسي وبإنتاج معادلة تنهي بقايا السلطة الأسدية وتحافظ على النظام، مثلما تنتج تركيبة سلطوية تأخذ بالواقع القائل بأن لموسكو مصالح استراتيجية في سوريا ليس من الحكمة نكرانها!

وقاصر أو قصير النظر من يفترض أن واشنطن تتصرف في سوريا بعيداً عن ذينك المعطيين الحاسمين. بل إن ما يحصل منذ أيلول 2015 في الواقع، ليس سوى تثبيت لتسليمها (مسبقاً) بالنفوذ الروسي القائم منذ أيام الحرب الباردة، وبعدم رغبتها في المس به طالما أن الدنيا تغيّرت(!) وطالما أن حلف الأطلسي على الباب في تركيا! وطالما أن إسرائيل خارج مرامي الخطر! وطالما (في الإجمال) أن ذلك النفوذ لا يصرف في غير مكانه، لا في أوروبا ولا في غيرها! وأكثر من ذلك: طالما أن «كل» الأداء العسكري الروسي في سوريا لم يؤد إلى إقامة أي نوع من التوازن مع العقوبات الغربية التي تلت أحداث أوكرانيا وضم القرم!

وليس غريباً أو بعيداً عن الواقع، الظن بأن الأميركيين مستعدون من جهة أخرى، (لو أمكنهم ذلك!) لـ»مسايرة» إيران في سوريا مثلما فعلوا في العراق! لكن دون ذلك زلازل فعلية وليست موهومة، تبعاً للديموغرافيا السورية أولاً وللجموح الخطير في المشروع الإيراني ثانياً! ولاشتماله على أبعاد قومية ومذهبية كافية لإبقاء الفتنة مفتوحة لمئة عام ثالثاً!

ومرة أخرى: تبدو واشنطن إزاء النكبة السورية خصوصاً (والمنطقة عموماً!) براغماتية أكثر من كونها مبدئية. أي أنها تهتم، على ما تدّعي، بالحرب على الإرهاب ولا تهتم بأدوات تلك الحرب! تتلاقى مع إيران وميليشياتها المذهبية في ذلك وتتجاهل عن عمد تداعيات ذلك التلاقي على الأكثرية العربية والإسلامية.. وقبل هذا، تهتم بتشليح الإيرانيين مشروع القنبلة النووية ولا تهتم بتشليحهم مشروع مدّ نفوذ «ولاية الفقيه» إلى المحيط القريب والبعيد مع ما يعنيه ذلك من حروب وفتن وبلايا ورزايا!

وفي هذا لم يخطئ من ظن شراً بالأميركيين في معركة حلب غداة انطلاقها. باعتبار أنهم تفرجوا على مدى أيام من دون أن ينطقوا بحرف واحد لا استنكاراً ولا تهديداً! مثلما تفرجوا ويتفرجون (بالمناسبة!) على عمليات التغيير الديموغرافي الجارية في محيط دمشق وعلى طول الخط الواصل بين الشمال السوري.. والجنوب العراقي! لكن لأن التفرج لم يجدِ! ولأن الروس كبّروا دعستهم باتجاه واشنطن نفسها! ولأن الإيرانيين شطحوا باتجاه أكبر منهم، ولأن حلب قصة كبيرة في ديار العرب والمسلمين، وتداعيات استباحتها لن تكون بسيطة على الإطلاق، لذلك ولغيره كان لا بد من قرع الجرس من قِبَل الأميركيين.. والتلويح (وليس التهديد!) بالبحث في «كل الخيارات»! ويبدو أن ذلك نفع حتى وإن بقي الأسد يصرخ بالعكس، كي يقول إنه لا يزال موجوداً!