Site icon IMLebanon

تذكَّروا “قَسَم أبقراط”

 

سينزعج أطباء كثيرون، أقارب وأصدقاء وقراء. لكننا نقول لهم براحة ضمير: بالغتُم في رد الفعل على حكم القضاء، وتجاوزتم الحَدَّ بإعلان أسبوع من الاضراب.

 

نفهم اعتراضكم على إدانة زملاء كفوئين ومستشفيات مرموقة بتقصير تسبّب ببتر أطراف الطفلة ايلا طنوس. ونعلم أن حالات مشابهة مثبتة أدت الى بتر او وفاة وأن بالإمكان الاستناد الى اجتهادات طبية تعفي المُدانين من المسؤولية. لكن نقابتكم تحدثت عن 10 في المئة من الثغرات المحتملة ولم يعد يجدي تنصلها من تقاريرها انتصاراً لأهل المهنة والكار.

 

لا أحد يجهل دقة مهنة الأطباء والتعقيدات الطبيعية التي ترافق العلاجات، لكن الأطباء كغيرهم ليسوا فوق الحساب ولا يستطيعون تحويل النقابة الى مطيّة للقفز فوق واجب الامتثال لأحكام القضاء، وتلقينه درساً لئلا يكرر هذا النوع من القرارات. ستقولون حتماً إننا كصحافة تحديداً نعاني من تسييس القضاء ومن تسخير النيابات العامة لقمع الحريات. صحيح مئة بالمئة، لكن أخبرونا بربكم لمَن يحتكم الناس لفض النزاعات؟ ولا تنكروا أن نقابتكم منذ تأسيسها انحازت مراراً كثيرة لـ”العشيرة” وغطت أخطاء مميتة ونزَّهت أعضاءها عن الارتكابات.

 

ربما ذهب حكم القضاء بعيداً في حجم التعويضات، في وقت يتوجب على الدولة ان تتولى شؤون الطفلة ما دامت على قيد الحياة بدل فرض النفقة على الأفراد والمؤسسات، وربما أراد القاضي طارق بيطار إظهار صورة المتشدد في هذه القضية تعويضاً عن تشدد مطلوب في قضية النيترات، لكن ذلك لا يستدعي اضراباً عن واجب معالجة الناس ودفع كثيرين للارتماء ساعات طويلة في طوارئ المستشفيات.

 

بصراحة، ما تفعلونه سقط في خانة الابتزاز، خصوصاً في الظرف المشؤوم الذي تمر به البلاد، وحيث يتبين انكم “الفرقة الناجية” من الانهيار. ونحن، إذ لا نناقش حقكم البديهي في السفر والاسترزاق والحصول على مُكافئ لمهاراتكم وعلمكم، فإننا نخبركم بأن تذكيرنا اليومي بعدد الذين غادروا البلاد من الأطباء، يوجب علينا تذكيركم بأننا كلنا رهينة المنظومة الفاسدة التي لم تسرق جنى أعماركم وحدكم بل طاولت جريمتها أكثرية الناس. ورغم ذلك لن نرى الوطن مساحة للعيش في زمن الكسب الوفير أو فندقاً للاستجمام، ثم “نترك الجمَل بما حمَل” في الصعاب.

 

مرة جديدة نحترم خيار مَن قرر الرحيل، ونشد على يد مَن آثر البقاء. وأنتم تدركون ان الحياة تأبى الفراغ، لذلك سنمر بأيام صعبة لكن جيلاً جديداً من الأطباء سيقود القطاع الاستشفائي الى بر الأمان. وليس الشباب الذين وقفوا في الأيام الأولى في الخطوط الأمامية في وجه عاصفة “الكورونا” فيما تلكأت مستشفيات وأصحاب مهارات الا نموذجاً من هؤلاء.

 

لن نيأس من التغيير مهما كانت الصعوبات. ولا بدَّ أن يندرج دور القطاع الصحي العام على قائمة الأولويات في أي مشروع للاصلاح. فدروس “الكورونا” علمتنا حدود كل الأدوار، وأن لا بديل من دور رائد وحاسم للدولة في المُلمَّات.

 

رجاءً أخيراً من الأطباء: نفهم وجعَكم، لكن لا تمسكوا الناس من مكامن وجعهم، وتذكروا دائماً “قَسَم أبقراط”.