«وُلِدَ الرفْقُ يومَ مولدِ عيسى…» ووُلِدَت الحكومة وقدْ ترفَّق بها الله وبشَّر بها «المجوس» حكومةً وطنيةً، أَللَّهُم إلَّا: حزب الكتائب الذي استُهدِفَ بالعزْل الشرعي هذه المرّة، وبموجب مرسوم.
حرصاً على مهابة المناسبة الميلادية، سنرجئ مخاطبة الحكم والحكومة والحكام الى موعد آخر مخافة أن يقودنا الكلام الى الوقوع في الخطيئة.
منذ ألفين وما يقارب العقدين من السنين كان هو المولود البشري المنزّه عن خطيئة حواء، وكانت الأرض تلجُّ مع أبناء حواء بشهوة الغريزة والمعاصي الفواحش.
في ظنِّه: إنْ هو هدَر دمَهُ مسفوكاً على الصليب قد يفتدي خطايا العالم ويزْجُر آلة الشر الكافرة في النفوس، وهَالَهُ، أن يرى الكفر بعده يتفاقم وتتكاثر الشياطين وتتأجّج الجهنميات باللِّظى.
في البدء، يوم كان الكلمة كان البشر على همجيتهم أكثر رحمة، وأسمح نفْساً، وأعمق إيماناً، وأرأف دموية، وأرحب عدالة، وأكرم إنسانية، وأرقى..
ومنذ أكثر من 1700 سنة قبل المسيح، إنتظم البابليون إنسانياً بشريعة الملك حمورابي وأمام الإله الشمس، فوق ما انتظم الآدميون بعد المسيح بالشرائع الروحية أمام الإله السماوي.
نظرةً اليوم، الى الخريطة الكونية، الى الديمغرافيا البشرية، فإذا البشر مواكب جثث ومآتم، والبيوت قبور الأحياء، والسيوف تجزُّ الرؤوس، والخناجر تبقر بطون الحوامل، والعذارى فرائس اغتصاب، والأطفال آلات مفخَّخة للتفجير وطعام لألسنة النار.
ما قرأنا في التواريخ عن زمن همجي يتنزّى بالعهر والكفر والفجور الإنساني كمثل هذا الزمان الذي يقول فيه الشاعر:
ولقدْ رأيتُ الناسَ إلاّ أقلَّهمْ ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ.
«وُلِدَ الرفقُ يوم مولدِ عيسى…» لست أدري ما إذا كان الشاعر أحمد شوقي يعني ذلك الـ «عيسى» الذبيح الذي يبارك الجزار.
ولست أدري مع أيِّ عيسى كان الرفق أجدى، هل مع عيسى المسمّر على الصليب، أو مع عيسى الذي يطرد اللصوص من الهيكل وفي يده السوط.
ولست أدري أيضاً، ما إذا كان هذا الزمان يلحّ باستدعاء عيسى المصلوب، ليصلبه مرة ثانية وهو الذي رجا أباه أن يبعد عنه تلك الكأس.
كلّ ما نستطيعه هو التسليم للقدر دونما تفلسف ومناقشة فارغة.
فلنبتهج إذاً… نحن المؤمنين خاشعين بقدوم الطفل السماوي. ولنسْأَله استدرار الرحمة لهذه الدولة التعيسة ولهذه الحكومة الجديدة، ولو كانت الحكومات عندنا لا تترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
إنَّ ما لقيصر لها، وما لله لها…
ومالُ قيصر أيضاً لها…
ونحن ليس لنا: إلَّا أن نحمد الله الذي لا يحُمد على مكروه سواه.