تحطم طائرة «فالكون -50» الفرنسية التي كانت تنقل كريستوف دو مارجوري رئيس مجلس ادارة شركة «توتال» الفرنسية حطم استكمال احلام هذه الشخصية الفرنسية الفريدة لشركة أحبها وجعل منها مجموعة صناعية عملاقة تمكنت من منافسة كبار الشركات الاميركية والبريطانية. وقعت هذه الكارثة في مطار موسكو بعد ان اصطدمت الطائرة بشاحنة لازالة الثلج لم يعرف احد كيف وجدت على المدرج وقت اقلاع الطائرة في ضباب موسكو الكثيف. والمحزن انه قد يكون ذهب ضحية اهمال سلطات مطار موسكو. وكان دو مارجوري اكثر المدافعين عن روسيا ورئيسها، وأدار شركة «توتال» باسلوب انساني وقريب فيه الكثير من الحرارة والود كما ادار علاقاته في العالم النفطي والعربي. فكان دائماً يحب لفظ القليل من الكلمات العربية التي يعرفها «سلام عليكم» و«يلآ يلآ» دائما عندما يكون متأخراً. نسج شبكات واسعة من العلاقات في العالم العربي من الخليج الى المشرق والمغرب. وكان يشجع الثقافة وعمل الكثير كعضو في مجلس معهد العالم العربي حيث مولت «توتال» معارض عديدة.
كان على قناعة مؤخراً أن سعر برميل النفط لن تنخفض إلى اقل من مئة دولار لأنه السعر الذي يبقي استثمارات في الطاقة المتجددة اقتصاديا. كان كريستوف رئيساً لأكثر من مئة ألف موظف في الشركة الكبرى. وتميز بتواضعه وبأخذ الوقت للسلام على الصغير والكبير وكان أسلوبه في التعاطي مع الناس جديداً في حياة الشركات الفرنسية حيث رؤساؤها تقليدياً يجلسون في القمة وفي عزلة عن صغار الموظفين. وكثيرا ما كان دو مارجوري يرافق رؤساء فرنسا من اليسار الحاكم الى أسلافهم من اليمين في زياراتهم الى الدول النفطية ولكنه كان معظم الوقت يستخدم طائرة الشركة الخاصة لاستقلاليته من قيود برامج رؤساء الجمهورية. فكانت له برامج في الدول التي يزورها كأنه رئيس دولة ولكنه كان يتأخر باستمرار عن المواعيد.
أحب دو مارجوري الشرق الأوسط والمسؤولين فيه. وكانت تربطه علاقات ود وصداقة إينما كان في الدول النفطية العربية وغير النفطية مثل لبنان. كان مؤثراً بشكل كبير على مراكز القرار في فرنسا. وكان كثيرا ما يحب الجدل والخلاف في الرأي مع أصدقائه. فكان من المدافعين عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومقتنعاً بأن الغرب أخطأ بالتعامل معه. وكان الجدل معه ينتهي بخلاف وتوتر ثم يعود ويبتسم ويعبر عن صداقته ومودته لمحاوره. وعرف دو مارجوري على خلاف رؤساء الشركات الفرنسية بحرارة علاقاته مع الناس وكثير منهم في العالم العربي أحبوه وعرفوه وضحكوا معه. وهذه الشخصية الاستثنائية أمضت ٤٠ سنة في «توتال» حيث دخلها وعمره ٢٣ سنة وتولى رئاستها عام ٢٠٠٧. جاء من عائلة فرنسية ثرية هي عائلة تاتينجي وفضل العمل في «توتال» على ادارة ثروة العائلة.
ستفتقده «توتال» وفرنسا والقطاع النفطي العالمي، وهناك شخصيات تحيطه ومقربة منه كان يعدها ليرى من يختار من بينها لخلافته بعد ثلاث سنوات، ولكن القدر اراد غير ذلك واستبق الامور حارماً «توتال» من الوجه الضحوك الذي كان المقربون منه ينادونه بـ «Big Moustache» أو أبو الشنب. ومن بين الأسماء التي كانت تتردد خلال حياته لخلافته يوماً ما المقربون الثلاثة ارنو بروياك وهو رئيس قسم التنقيب والانتاج وفيليب بواسو رئيس التوزيع وتجارة البنزين والطاقة البديلة وباتريك بوياني رئيس التكرير. وقد احاط دو مارجوري نفسه بشخصيات بارعة ومميزة علمها حبه لبلده وللعرب. وسيفتقد عالم النفط مسؤولاً بارزاً اضاف الى قطاع الصناعة النفطية وجفاف أرقامها ونتائجها حرارة التعامل مع الجميع ودائماً روح النكتة في الصعوبات.
فقدت فرنسا مسؤولاً صناعياً كبيراً وزوجته برناديت وأولاده الثلاثة وأحفاده سيفتقدون الاب والجد الحنون الذي لم يكن لديه ما يكفي من الوقت للبقاء معهم، فحتى موظفو الشركة كانوا يبكون أمس «أباً فقدوه».