IMLebanon

«معالي الحقيبة»

.. أمّا وقد انصرم موسم الحقائب المدرسية، فاز من فاز بحقائب العام، وظفر غيره بأخرى أكبر أو أصغر، أغلى أو أقل ثمناً، خضراء أو زرقاء أو حمراء أو مزركشة بالألوان.. اللبناني منشغل هذه الأيام باستحقاق من الوزن «الوزاري» الذي فيه حقائب «سيادية» و«خدماتية» و«متوسطة» و«أساسية» وحقائب دولة، وكما التلامذة كذلك الآباء والابناء..الأنفاس محبوسة في الانتظار والتشكيلة فيها عرض وطلب وتمنيات وتحفظات وجديد وقديم، والكل يتوق ويمني النفس ويجرّب حظه على خط الممكن والمستحيل.

وإذا كانت عباءة «الحقيبة» فضفاضة على اجتهادات وتأويلات وأوجه شبه واختلاف منذ القدم أيام كان الأجداد يقيسون الثروات بأحجام الحقائب وسعة الجيوب، فإنّ جيل الأبناء الذي ورث الحروب والمشكلات المستدامة انحاز الى حقائب أخرى وإلى إعلان ينادي: «مع كل حقيبة سفر شنطة ببلاش»، وعلى هامش الهجرة تشكلت طبقات اجتماعية أعادت تموضعها ما بين الفقيرة والغنية لتحتل الواجهات التجارية حقائب مصنّفة على أنها «سينييه» أو «عادي»، وهو الامر الذي بات يتطابق كثيراً مع المعطى السياسي اللبناني الراهن والذي يميز:«سيادية» أو «خدماتية»، «أرستقراطية» أو من عامة الشعب، مع مقابلة شديدة الشبه تتمثّل في أنّ من يمسك بحقيبة «سينييه» أو «سيادية» يبقى خائفاً عليها الى حدود أنه يغدو حارسها فحسب، أما الفعل فلغيره.

وفي أحجام الحقائب، تكمن عقدة اللبناني التائه بين موروث ينادي بالأحجام:«كلما كبر حجم الحقيبة زادت قيمة أصحابها»، وبين حداثة تشكلت على الأوزان «ما خفّ وزنه وغلا ثمنه» ، لتنسحب إلى شكل الحقائب الوزارية بين أن تكون «24 قيراطاً» أو «30 وزيراً» ، وبين أن تكون «أم الصبي» أو «أم العروس» وترجمتها في السياسة اللبنانية:«وزارة سيادية تساوي وزارتين خدماتيتين».

وما بين «السيادية» و«الخدماتية»، تبقى هواجس الكتل والأحزاب مشروعة، ويبقى اللبناني من العامة في الرصيف المقابل يمني النفس بحقيبة لا تكتفي بمنصبها الشرفي من الدفاع الى الداخلية إلى الخارجية إلى المالية، لتصبح الحقيبة السيادية الأصيلة هي تلك التي تنجح في تلبية المطالب المعيشية والبنى التحتية وما أكثرها من الصحة الى الزراعة الى البيئة الى الشؤون الاجتماعية الى السياحة والاقتصاد والتربية والاتصالات والعدل وغيرها من الوزارات القادرة على أن تكون شرعية رغماً عن أنف المشرعين، ودائماً بالارادة وبالفعل، لا بالتمسك بالحقائب والمناصب.