لا يبزّ العناوين الكبرى التي يرفعها العماد ميشال عون سوءا الا الأدوات التي يستخدمها، مع تياره ونوابه ووزرائه وحتى جمهوره، للتغطية على أهدافه الشخصية من ورائها. ولا يبزّهما معا سوءا، وحتى سخفا، سوى الادعاء بأن النصر(هل هو نصر الهي بدوره أيضا؟!) سيكون حليفه في النهاية ان في معركته لرئاسة الجمهورية أو في معاركه الدونكيشوتية الأخرى هنا وهناك. وعمليا، فليست حركته «السيارة» الأخيرة في الشارع الا حلقة أخرى في سلسلة طويلة اعتاد عليها اللبنانيون، الى حد الملل منها، منذ تسلمه رئاسة الحكومة في ظروف غير طبيعية نهاية الثمانينات في القرن الماضي وحتى الآن.
من بين هذه العناوين ما لا يقف عند حدود ما يسميه «حقوق المسيحيين» في لبنان، بل يتعداها الى أوضاعهم وحقوقهم في المنطقة كلها، والقول تارة انها مهدورة وأخرى انها مغتصبة من قبل الأكثرية…والمقصود السنية. ومنها الحديث عن «تحالف الأقليات» ليس في المنطقة وحدها انما في العالم كله، وصولا الى الكلام على «الفيدرالية»، وعلى انتخاب كل طائفة لممثليها في السلطة وفي البرلمان، حتى لا ننسى اعتباره مجلس النواب الحالي الذي يطالبه بانتخابه رئيسا للجمهورية «غير شرعي»، كما اعتبار كل وزير في هذه الحكومة(حيث يشغر منصب الرئيس، بسببه هو وليس لأي سبب آخر) رئيسا متوجا للبلاد من جهة، وبصلاحيات تعطيلية لا يمتلكها الرئيس في حال وجوده في قصر بعبدا من جهة ثانية.
ولم يعد خافيا أن عون كان يطرح هذه العناوين، الواحد بعد الآخر، كلما كان يشعر أن أحلامه بالوصول الى رئاسة الجمهورية، أو بتعيين أحد أصهرته في موقع وزاري أو قيادي عسكري، يبتعد عن متناول يده، ودائما بدعوى أنه «الممثل» الأكبر، ان لم يكن الوحيد للمسيحيين، ان في الشارع أو في مجلس النواب. في المقابل، فانه كان يطوي ذلك كله، وحتى يبتلع لسانه تماما، عندما يتوهم أن رياحا مؤاتية لأحلامه قد تهب، من هنا في الداخل أو من هناك في الخارج، الى درجة التغني ليس فقط بـ«الشعب العظيم»، كما كان يخاطب مؤيديه في قصر بعبدا في الثمانينات، انما أيضا بـ«النظام العظيم»، كما بقانون الانتخابات الذي عاد من الدوحة مزهوا به في العام 2008 ولا يفعل الآن الا أنه يهجوه بأقذع الألفاظ ويريد الغاءه من الوجود.
لكن أدوات عون في معاركه هذه، وخطابه السياسي لتبرير ما يفعله، ليست فقط أسوأ من تلك العناوين بل هي أسخف وأقبح مما يتصوره عاقل، خصوصا اذا كان يطرح نفسه مرشحا لقيادة دولة، فضلا عما يسميه استعادة «حقوق المسيحيين» أو وضع هذه الدولة على طريق «الاصلاح والتغيير«.
عندما نصحه البعض بالتوقف عن حملته المفتعلة على قائد الجيش العماد جان قهوجي، لم يجد عون ما يفخخ به تظاهرته «السيارة» الى ساحة الشهداء سوى الصاق تهمة «الامارة الاسلامية»، و»الداعشية» بشكل خاص، بـ«تيار المستقبل» من خلال اللافتة التي حملها بعض أنصاره ونزلوا بها الى الساحة. حتى اذا أثار أحد وزراء التيار هذه المسألة في جلسة مجلس الوزراء، سارع محسوب على عون الى ادعاء أنها «عمل فردي» وان لا علاقة لمنظمي التظاهرة بها من قريب أو من بعيد!.
وعندما اتهم عون بأن حديثه عن «الفيدرالية» ينم عن توجه تقسيمي، وحتى انعزالي يفترض أن أحدا في لبنان لم يعد يفكر فيه، وجد ضالته في ادعاء ان كلامه جاء ردا على سؤال(كأن الرد على سؤال ليس موقفا؟!) وأنه لم يكن يقصد المس بوحدة لبنان، أرضا وشعبا ومؤسسات، وان كان البعض فهم ذلك خطأ وربما تقصد أن يفهم ذلك بهذه الطريقة!.
وعندما سئل صهره ووزيره الدائم جبران باسيل عن كلامه، في حضرة وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف، على دور ايران في «حماية الاقليات» في المنطقة، لم يجد ما يرد به سوى القول ان كلامه فهم خطأ، وأن الفهم الخاطئ هذا ربما كان مقصودا بدوره كذلك!.
…وأكثر من دليل ظاهر للعيان، ليس على تهافت الأدوات والخطاب السياسي والتبريري فقط، انما أيضا وقبل ذلك على عدم احترام عقول الناس وذاكرتهم، بمن فيهم من ما يزال يرى نفسه مؤيدا للعماد عون.
هل سمع هؤلاء، حتى لا نتحدث عن عون نفسه، ما قاله حليفه الأول الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس الأول من أن عون لم يعد مرشح الحزب كما كان حتى الآن، بل هو مجرد «ممر الزامي»(أي عمليا، قاعة ترانزيت) لرئاسة الجمهورية؟.
اذا لم يكونوا قد فعلوا، فليسألوا العماد نفسه عن ذلك…وتحديدا عما سيكون موقفه من الحزب الذي وصفه أخيرا بأنه لا يدافع عنه(أي عن الحزب وعن عون) فقط انما عن المسيحيين في لبنان والمنطقة أيضا.